أقلام وأراء

انتخابات إسرائيل الدراماتيكية

بقلم: عمر حلمي الغول

قبل 48 ساعة من الانتخابات الإسرائيلية الفاصلة للكنيست الـ25، وهي الانتخابات الخامسة خلال أقل من أربعة أعوام، تشهد الساحة الصهيونية حربا ضروسا بين الأحزاب المختلفة ضمن كلا الائتلافين المتصارعين (ائتلاف نتنياهو وائتلاف لبيد) وبينهما، حيث تتسع وتشتد عمليات الاستقطاب والاستحواذ بين الجميع، ويمكن الاعتقاد، أن الانتخابات التي ستجري بعد يومين، أي يوم الثلاثاء المقبل قد تكون الانتخابات الأكثر إثارة ودراماتيكية من بين الدورات الـ24 الماضية. رغم أن كل جولة انتخابات لها خاصيتها من الاستقطاب.

بيد أن هذه الانتخابات مختلفة لجهة ارتفاع منسوب التحريض والتكفير والتخوين بين القوى الصهيونية المختلفة، وتختلف عما سبقها مع ارتفاع نسبة التصويت لصالح القوى الأكثر فاشية من أمثال سموتيريتش وبن غفير، حيث تشير معظم استطلاعات الرأي لحصولها على 14 مقعدا، وبذلك تحتل المركز الثالث بين القوائم الانتخابية، وهو ما يؤكد تربع ممثليها على مقاعد الحكومة القادمة، إن قدر لزعيم المعارضة، بنيامين نتنياهو العودة إلى كرسي الحكم بعد عام من اضطراره لتركه. وهو ما أشار له نتنياهو في مقابلة قبل يومين، بأنه سيعين زعيم “القوة الإسرائيلية” وزيرا في حكومته. رغم أنه رفض التقاط صورة معه، لاعتبارات انتخابية ليكودية، حيث يخشى من بعدين، الأول غرف بن غفير من قاعدته الانتخابية؛ الثاني الخشية من تداعيات ذلك أمام الرأي العام العالمي عموما والأقطاب الغربية وتحديدا الأوروبية.

والأهم مما تقدم، انعكاس صعود القوى المفرطة في نازيتها على المجتمع الإسرائيلي. لا سيما بعد أن تصدعت المعايير السياسية والقيمية (إن وجدت) وزالت إلى حد كبير الفوارق أو التمايز بين ما يطلق عليه “اليسار” أو “يسار الوسط” الصهيوني، وبين اليمين واليمين المتطرف أو الفاشي، وبالتالي لم تعد القوى الصهيونية المتنافسة على مقاعد الكنيست محكومة بمعايير القانون الإسرائيلي، لأن طبيعة التناقضات تخطت حالة التعارض والتباين في الرأي والاجتهاد، مع دخول المجتمع الإسرائيلي مرحلة نوعية من التناقضات ترتكز على الحقد والكراهية والتحريض المعلن، فضلا عن العنصرية البشعة والوحشية ضد الفلسطينيين العرب، وبالتالي يمكن إدراجها ضمن دائرة التناقضات التناحرية، الأمر الذي يخشاه كل قادة إسرائيل، خاصة رؤساء أركان الجيش، ورؤساء الأجهزة الأمنية السابقين والحاليين.

وكان آخرهم يوفال ديسكن، الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، الذي نشر مقالا بعنوان “على شفا حرب أهلية” في 24 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي جاء فيه، “إن إسرائيل تواجه الآن تهديدا وجوديا و”على وشك الانزلاق إلى سلسلة من الصراعات الداخلية العنيفة، والتي قد تؤدي إلى تفكك داخلي، وربما حتى إلى حرب أهلية”. وسبقه لذلك، كما أشرت خمسة من رؤساء أركان الجيش لذات النتيجة في 28 آب/ أغسطس 2022 لمناسبة افتتاح المكتبة الرئاسية لإرث بن غوريون، وجميعهم اتفق على أن ضعف الترابط الداخلي تهديد وجودي لإسرائيل. وهم إيهود باراك، غابي أشكنازي، بني غانتس، وموشي يعلون، وغادي آيزنكوت.

وتتضاعف الخشية في أوساط النخب القيادية السياسية والعسكرية من المستقبل المجهول لدولتهم الطارئة، واللاشرعية مع افتقادهم الأمل بالخروج من دوامة أزمة الانتخابات البرلمانية. لا سيما وأن كل استطلاعات الرأي حتى اليوم تشير إلى فقدان أي من الائتلافين من تشكيل الحكومة، نتاج التقارب بينهما، وفقدان الأمل بإمكانية وجود وزارة جديدة، وإن كانت حظوظ زعيم الليكود أعلى نسبيا من يئير لبيد، أو بني غانتس، خاصة أن الاستطلاعات تفيد بإمكانية حشده 61 مقعدا من الـ120 مقعدا.

لكن هذه الفرضية ليست سهلة، لأن كتلة القوى الفاشية بقيادة سموتيريتش قد ترفض الانضمام لحكومته، مع أنه أقرب لها. لكنها تخشاه، وتعتبره كاذبا ومنافقا، ولا يفي بالتزاماته. أضف إلى أنه قد لا يتمكن (نتنياهو) من تشكيل الحكومة، لأن قطاعا من القاعدة الانتخابية في الليكود نفسه لن يصوت له. وفي حال فشل في العودة لكرسي الحكم، فإن مستقبله سيكون كزعيم لحزب المعارضة الحالي على كف عفريت.

والمفاجأة في مشهد الانتخابات الـ25، إذا ما تمكن التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة سامي أبو شحادة من تجاوز نسبة الحسم، فهذا يعني أن حصة مقاعد الائتلافين الصهيونيين ستتراجع نسبيا، كما أن حصة بعض القوى الفلسطينية أيضا ستتراجع، وهذا السيناريو في حال حدث معناه الذهاب لانتخابات سادسة في شباط/ فبراير أو آذار/ مارس 2023، إلا إذا حدث دعم قائمة منصور عباس الإسلاموية الإخوانية لأحد الائتلافين. ومع ذلك فإن دولة إسرائيل الاستعمارية ستغوص أكثر فأكثر في دوامة التفكك الداخلي. والساعات القليلة المقبلة وحدها الكفيلة بإظهار الصورة على حقيقتها. لكن المؤكد، أن دولة الأبرتهايد ماضية قدما نحو الهاوية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى