أقلام وأراء

فلسطين تقرأ.. وعبق المشموم التونسي في فضائها

بقلم: موفق مطر

تونس حاضرة دائما في عقول وقلوب الشعب الفلسطيني، كما فلسطين الحاضرة أبدا في عقول وقلوب الشعب التونسي، فمنظومة الاحتلال الاستيطاني العنصري (إسرائيل) قادرة على منع دخول الكِتاب التونسي، وكذلك كتّاب وأدباء وفنانين من الشقيقة تونس، لكن دلونا على أقوى وأظلم سلطة في العالم قادرة على منع الفكرة والمبدأ من التحليق في مدى لا تطاله أيدي وعيون جنود الاحتلال وضباطه على الحواجز والمعابر، أما الأسلاك الشائكة على الأرض وحدود (سايكس بيكو) فإنها أعجز عن كسر جناحي طائر الثقافة العربية، حتى الأسلحة التي قد تصل نيرانها في المدى البعيد لتنزل شظاياها على سطح القمر والكواكب، فإنها لن تكون أكثر من فرقعة مزعجة لكن ليست قاتلة أبدا، فالأفكار والمبادئ السامية الراقية المحلقة دائما في فضاء الإنسانية، لا يفكرن بإسقاطها أو كسر أجنحتها إلا ظالم أحمق !.

إن اعتبار تونس “ضيف شرف” على معرض فلسطين الدولي للكتاب، عمل صائب وصحيح يحسب لوزارة الثقافة والحكومة الفلسطينية، ونعتقد أن الأمر متعلق بالبروتوكول المعمول به لدى المؤسسات الرسمية في الدول العربية، لكن من الواجب تعريف المتلقي العربي قبل الفلسطيني، أن الأخ والشقيق العربي لا يحل ضيفا في (بيت العروبة) فلسطين، وتحديدا عندما يتجاوز الروابط السياسية والجغرافية والاقتصادية وحتى الثقافية كاللغة والمصير المشتركين مثلا، ليبلغ صفة الوريث للفكرة والشريك في تجسيدها بدون عقد أو وصية أو احتساب حصة مهما كانت، فلتونس حصة في فلسطين الثورة والنضال ومبادئ الحرية والتحرر والاستقلال والسيادة والدولة، كما أخذت وما زالت تأخذ فلسطين حصة من تونس، الدولة الوطنية، والحكمة والعقلانية والواقعية السياسية، أما الثقافة الفلسطينية، فيكفي أن نعرف أن التونسيين يحفظون محمود درويش مثلما نحفظ أبو القاسم الشابي وبيرم التونسي، وربما أكثر.

ربما لا يعلم كثير من جمهورنا الفلسطيني أن اسم المصور الصحفي والسينمائي الفلسطيني الشهيد هاني جوهرية، تاج على أكبر صالة سينما في العاصمة التونسية معنية بعرض الأفلام السينمائية الهادفة تقع في مركز المدينة وعلى بعد خطوات من معلم ثقافي (قصر القافة) الهام جدا في تونس، وأن الأشقاء في تونس يحيون ذكرى يوم الأرض الفلسطيني  في الثلاثين من شهر مارس / آذار من كل عام، وأن فلسطين (الحق) التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني الذي يتجاوز معنى القضية، والصراع  هي المعيار لقياس انسجام  المثقف  والسياسي التونسي مع  قضايا الحرية والتحرر والحقوق والتقدمية، والأهم أن الجمهور التونسي يتمتع بحساسية عالية تمكنه من التمييز بين من يستخدم فلسطين، كما يستخدم اليافطة في مظاهراته، وبين من يعتقد أنه جزء لا يتجزأ من كفاح ونضال الشعب الفلسطيني، وثقافة فلسطين العربية الإنسانية، ويعتبر روادها رموزا للتحرر والحرية.

حضر أشقاء تونسيون وشاركوا بندوات وفعاليات معرض فلسطين الدولي للكتاب الأدبية والسياسية والفنية، وحضر اسم  وزارة الثقافة التونسية وكانت بمثابة العمود الأساس لخيمة المعرض رغم حواجز الخارجين على الثقافة  الإنسانية والمتمردين على قيمها،  فجنرالات حكومة سلطة الاحتلال الإسرائيلي لا يخشون الكتاب، وإنما الفكرة التي يبشر بها الكاتب، لا يخشون السياسة والسياسيين، وإنما المبادئ الناظمة لمنهجهم ومواقفهم العملية، يخشون : “إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر” ويخشون صدى موقف رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد القائل :”إن التطبيع مع منظومة الاحتلال جريمة خيانة” لذا منعوا وصول الكتاب التونسي، والناشر التونسي،  والأديب التونسي الذي كان ينتظر تحقق الأمل إلى لحظة واقعية  يحياها على أرض فلسطين، ليهدي شعبها مشموم الياسمين والفل التونسي بكل ما فيه من عبق وعطر الأفكار الخلاقة.

منعت سلطة منظومة الاحتلال العنصرية  كتب تونس وكتابها وناشريها من الوصول إلى رام الله، إلى المكتبة الوطنية الفلسطينية ليضعفوا معنى “فلسطين تقرأ” لكنهم لم يستطيعوا منع طيور الفكرة والمبدأ من التحليق في سماء رام الله، فهنا سفير الجمهورية التونسية الحبيب بن فرح، وهنا في فضاء رام الله المطل على سماء وأرض القدس شعراء وأدباء وفنانون من تونس الشقيقة : مهدي غلاب، محمد النجار،  وحافظ المساهلي، وهند زواري، حلمي المهذبي  وعبير نصراوي.. ونعتقد أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي سيفاجئها كيف صارت تونس محور الدورة 12 لمعرض الكتاب  الدولي في فلسطين، رغم المنع.. حقا إنهم ما زالوا لا يعلمون أن الجامع بيننا وبين تونس والأشقاء العرب والعروبة  والثقافة الإنسانية عصي على المنع  وخارق للحواجز، فهذا الاحتلال جاهل متغطرس، أحرق كتاب الثقافة الإنسانية ومنع نشر معانيها  السامية بقوة السلاح والاحتلال والاستيطان، أما شعب فلسطين فله في العالم على الأرض وفي فضائه الثقافي كنوز من المعرفة يتبادلها مع شعوب الدنيا التي تعرف وتطبق معاني الحرية والسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى