أقلام وأراء

نكبة الشعب الفلسطيني تلاحق إسرائيل

بقلم: باسم برهوم

حاولت إسرائيل إخفاء جريمتها التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني في حرب 1948 لأكثر من ثلاثة عقود، وحاولت بالأخص التنصل من سياسة التطهير العرقي التي مارستها على نطاق واسع خلال أكثر من عام ونصف العام من عمر الحرب وما تضمنته هذه السياسة العنصرية من عشرات المجازر. فقط من النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين بدأ المؤرخون الإسرائيليون الجدد، وبطريقة خجولة، الكشف عن بعض جوانب جرائم العصابات الصهيونية خلال الحرب، وكان أكثرهم وضوحا الكاتب والمؤرخ إيلان بابيه الذي نشر كتابا مفصلا عام 2006 تحت عنوان “التطهير العرقي لفلسطين”.

قبل أيام تلقت إسرائيل، التي اعتادت دفن رأسها بالرمال، ضربة موجعة عندما قررت الجمعية العامة عقد جلسة خاصة موسعة لإحياء الذكرى 75 للنكبة، هذا القرار هو بمثابة اعتراف دولي يصدر عن مؤسسة الشرعية الدولية بمأساة الشعب الفلسطيني والكارثة التي حلت به عام 1948. بعد هذا القرار لم تعد النكبة حدثا يجري التساؤل حوله أو التشكيك بشأن حدوثه، لقد تحولت إلى يوم عالمي يتوقف أمامه العالم في 15 أيار/ مايو من كل عام، وسيشار إلى إسرائيل بأنها هي من ارتكبت جرائم حرب على نطاق واسع، وأنها أحرقت ودمرت أكثر من 500 قرية وبلدة فلسطينية، وشردت نحو 900 ألف فلسطيني واستولت على 78 % من فلسطين التاريخية وطن الشعب الفلسطيني.

من الآن فصاعدا ستواجه إسرائيل الأسئلة الصعبة التي كانت تتهرب منها على مدار 75 عاما، ما الذي حل بدولة فلسطين، لماذا اختفت عن الخريطة؟ ستساءل إسرائيل أكثر من أي وقت عن عشرات المذابح والمجازر التي ارتكبتها في سياق سياسة التطهير العرقي، مذبحة دير ياسين، مذبحة الطنطورة، مذبحة قرية أبو شوشة، وقالونيا، ويازور، والدوايمة، وغيرها من المجازر. وحسب صحيفة “هآرتس”، فإن إسرائيل ارتكبت 75 مذبحة في الفترة من عام 1937 وحتى عام 1949، راح ضحيتها 5000 فلسطيني وضعفهم كان الجرحى.

وفي سياق محاولات إسرائيل لمحو الذاكرة، فقد أقر الكنيست في آذار2011 ما أطلق عليه “قانون النكبة”، وفي إطار تنفيذ هذا القانون يعاقب أي شخص أو مؤسسة تقوم بإحياء ذكرى النكبة. وباستثناء إيلان بابيه الذي كتب بوضوح وبالتفصيل عن عملية التطهير العرقي في حرب 1948، فإن المؤرخين الجدد أمثال بيني موريس، قد أشاروا بتحفظ إلى دور العصابات الصهيونية، الهاغاناه والإرغون وشتيرن، في ترحيل مئات الآلاف من الفلسطينيين، و لمحوا، بما هو ادعاء، إلى أن الإذاعات  والجيوش العربية هي من  تتحمل المسؤولية لأنها دعت الفلسطينيين إلى ترك قراهم ومدنهم حفاظا على أرواحهم على أن يعودوا إليها بعد الحرب .

وليس من المتوقع في المدى المنظور أن تعترف إسرائيل بمسؤوليتها عن النكبة وسياسة التطهير العرقي وما صاحبها من مجازر، فإن اعترافا من هذا القبيل سيترتب عليه أولا:  تنفيذ  قرار العودة رقم (194) الصادر عن الأمم المتحدة عام 1949، وثانيا : على إسرائيل دفع تعويضات للاجئين الفلسطينيين، وأخيرا محاسبتها على جرائمها، فهذه الجرائم وبموجب القانون الدولي لا تسقط بالتقادم. وبالإضافة إلى سياسة النكران، فإن إسرائيل تخفي عشرات الآلاف من الوثائق الخاصة بحرب عام  1948، فما أفرجت عنه، وشكل المادة التي أعاد من خلالها المؤرخون الإسرائيليون الجدد كتابة تاريخ الحرب، لا يشكل إلا الجزء الأقل مما تخفيه إسرائيل، وهو بالتأكيد تاريخ أسود يعج بجرائم الحرب.

 وضمن ما كشف من وثائق،  تلك التي تتحدث عن خطة “دالت”، والخطة، وكما كتب بابيه، وضعها بن غوريون مع النواة الصهيونية الأولى العسكرية والسياسية في مطلع عام ١٩٤٨ في مقر هيئة الأركان في تل أبيب، وكان هدفها ترحيل الفلسطينيين من المناطق التي أصبحت بموجب قرار تقسيم فلسطين ضمن حدود الدولة اليهودية، تهجيرهم كلهم وإن لم يستطيعوا  فالغالبية العظمى منهم، إما بالطرق السلمية أو بالقوة والعنف والإرهاب. وفي سياق خطة

“دالت” كانت الأوامر واضحة من بن غوريون شخصيا، ومن قيادته العسكرية إلى الضباط الميدانيين، وكان التعبير المستخدم “تنظيف”، للقيام بترحيل الفلسطينيين بالقوة من مدنهم وقراهم.

بعد قرار الجمعية العامة الخاص بإحياء النكبة، لم تعد إسرائيل تواجه الضحية وحدها وبعض المتضامنين في الدول العربية وأحرار العالم، بل هي اليوم تواجه المجتمع الدولي بأكمله، وبالتحديد الأمم المتحدة. وبالرغم من أهمية القرار فإن هناك حاجة للتقدم خطوة أخرى نحو ممارسة الضغط على إسرائيل وإجبارها على الاعتراف بمسؤوليتها عن النكبة وتقديم اعتذار رسمي للشعب الفلسطيني، ولعل مسألة الاعتراف بالنكبة هي المؤشر الحقيقي على أن إسرائيل قد خلعت عن نفسها الثوب الصهيوني التوسعي، وهو المؤشر لإقامة سلام حقيقي يستند إلى قرارات الشرعية الدولية. ومن الآن وحتى حصول ذلك، فإن نكبة عام 1948 ستبقى المكون الرئيسي للذاكرة الوطنية الفلسطينية الجماعية، لذلك من المهم أن يتم تناولها من جوانبها المختلفة ليس فقط في 15 أيار، وإنما على مدار الأيام، فما حصل للشعب الفلسطيني هو بشع جدا، والأهم أن هذا الشعب لا يزال يعيش تداعيات تلك النكبة حتى الآن وربما لسنوات طويلة قادمة، ربما تجدر الإشارة هنا إلى أن أول من استخدم مصطلح “نكبة” لتوصيف الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني والأمة العربية، هو المؤرخ السوري العبقري قسطنطين زريق، الذي كتب بشكل مبكر جدا، وخلال ذروة الأحداث في آب 1948، كتابه المهم “معنى النكبة” الذي شخّص فيه بشكل دقيق أسبابها وآثارها البعيدة على الأمة العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى