أقلام وأراء

هل توقف محكمة العدل الدولية جريمة إبادة غزة ؟

بقلم: د. دلال صائب عريقات

في 29 ديسمبر 2023، قدمت جنوب أفريقيا طلبًا لإقامة دعوى ضد إسرائيل بموجب انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية، انعقدت المرافعات يومي ١١ و١٢ يناير 2024 ومن الممكن أن تصدر محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة حتى نهاية كانون الثاني، وربما في غضون أسبوعين. وبغض النظر عما إذا كانت المحكمة ستحكم لصالح التدابير المؤقتة، فإن القضية ستستمر. قد تمتد القضايا الخلافية في محكمة العدل الدولية لعدة سنوات. تتضمن العملية القانونية مراحل مختلفة، بما فيها المرافعات المكتوبة، وجلسات الاستماع الشفهية، والمداولة وإصدار الحكم.

بعد الاستماع لمرافعة جنوب أفريقيا والتي اتهمت إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعدم قيامها بمنع جريمة الإبادة وهذا مخالف لاتفاقية مكافحة الابادة، وبعد الاستماع لرد إسرائيل في الدفاع، لا يتعين على المحكمة أن تثبت وجود انتهاك لاتفاقية الإبادة الجماعية أو تورط إسرائيل بالجريمة الان فقد تطول القضية، ولكن يجب أن تقرر حول فرض تدابير احترازية مؤقتة لحماية الحقوق ومنع هذه الأعمال وقتل المدنيين خلال فترة المحاكمة، وهذا يعتمد على اقتناع القضاة بالأدلة الموثقة.


ارتكزت نقاط الاتهام في مرافعة جنوب أفريقيا على استهداف المدنيين من خلال العمليات العسكرية والقتل الجماعي وقتل الأطفال، وحرمان الشعب من الماء والطعام والوقود وحاجات الإنسان، واستهداف النظام الصحي ومنع الولادات والإنجاب واستعانوا بتصريحات المسؤولين الاسرائيليين لتوثيق نية الابادة وقدموا صورا وفيديوهات توثق كل التهم لنية إسرائيل بإبادة الشعب الفلسطيني في غزة.


ارتكز دفاع إسرائيل في المحكمة على عدة عوامل أهمها:
-حماس جماعة ارهابية ترتكب جريمة ابادة ضد اليهود وبالتالي
– حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها
– برر الفريق الاسرائيلي عدم تورطهم في الابادة بان إسرائيل قدمت أوامر لمغادرة مناطق القتال وقدمت مساعدات وهذا ينفي اي نية بارتكاب جريمة إبادة.


في الجانب الثاني الذي برر فيه الدفاع عدم نية إسرائيل بارتكاب ابادة، من الممكن ان يقتنع بعض القضاة لان الدفاع الإسرائيلي قدم تفاصيل التنسيق الأمني والجهود العسكرية الانسانية حسب تعبيرهم في محاولة حماية المدنيين، وقد بالغ الدفاع في رسم صور إنسانية حضارية حول الجيش الاسرائيلي وجهود المسؤولين في توفير المساعدات، واستندت حجتهم انه لو كان لاسرائيل فعلاً نية في ارتكاب الجريمة لما قدمت اي من هذه التسهيلات. ولكن بعد الدراسة سيكتشف القضاة ان ما يسميه الادعاء بـ”أوامر وتحذيرات للسكان للانتقال من اماكنهم لحمايتهم” هي بحد ذاتها جريمة حرب حسب تعريفات القانون الدولي الإنساني والمادة ٤٩ حول التهجير والنقل القسري!


من المتوقع عدم اقتناع المحكمة بحجج الدفاع الاسرائيلي في تبرير حق الدفاع عن نفسها، فحسب اتفاقية الابادة الجماعية، ليس هناك أي مبرر لارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، ولا يمكن أن يشتمل حق الدول بالدفاع عن نفسها على إجراءات انتقامية أو عقابية جماعية. ولهذا السبب، لا يمكن السماح لأي دولة أو فرد على الإطلاق بتبرير الإبادة الجماعية باسم الدفاع عن النفس.


مرافعة جنوب أفريقيا، استندت لعدة نقاط في دعم دعواها:
لا تقتصر جريمة الإبادة الجماعية على القتل فقط، وهو من بين الأفعال الخمسة التي ترتكب بقصد تدمير مجموعة كاملة أو طرف منها. ومن المهم أيضًا ملاحظة أن العقاب الجماعي محظور أيضًا بشكل صارم بموجب القانون الدولي.


تكمن أهمية القضية ان جنوب أفريقيا، في طلبها، وضعت أعمال الإبادة الجماعية في سياق “سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين خلال نظام الفصل العنصري الذي دام 75 عاما، واحتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية الذي دام 56 عاما، وحصارها العسكري الذي دام 16 عاما على غزة، على الرغم من أن التطبيق يركز على أعمال الإبادة الجماعية المرتكبة ضد الفلسطينيين في غزة منذ أكتوبر 2023.


جنوب أفريقيا وإسرائيل عضوان في الأمم المتحدة، وبالتالي فإنهما ملزمان بالنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. أكدت جنوب أفريقيا على مسؤولية الدول الأعضاء، حيث يقع على عاتق كل دولة التزام “باتخاذ التدابير اللازمة لمنع” جريمة الإبادة الجماعية، ولكن أيضًا “المعاقبة عليها، بما في ذلك عن طريق سن التشريعات ذات الصلة ومعاقبة الجناة. وجميع الدول التي تساعد وتحرض إسرائيل على ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية قد تخضع للمساءلة عن التواطؤ.


تتكون محكمة العدل الدولية من 15 قاضياً يتم انتخابهم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لمدة تسع سنوات. نعول على حيادية ومهنية هؤلاء القُضاة في تطبيق القانون حسب النصوص دون انصياع لضغوط ولمصالح القوى العظمى.


للإجابة على سؤال المقال الرئيسي، بالرغم من حقيقة ان قرارات محكمة العدل الدولية مُلزمة إلا أن المحكمة لا تملك أدوات تنفيذ، وهنا تكمن الإشكالية كيفية وقف الجريمة واستهداف المدنيين من خلال الحاجة للعودة للأدوات الدبلوماسية في مجلس الامن (الذي قد يعيقه الڤيتو) والجمعية العامة (الاتحاد من أجل السلام) لاتخاذ قرارات للتنفيذ او ان توظف الدبلوماسية الثنائية في فرض العقوبات وسحب التمثيل الدبلوماسي او المقاطعة بكافة اشكالها، ومن المهم الإشارة إلى أن إسرائيل دولة تتصرف فوق القانون حيث رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية الاعتراف بحكم محكمة العدل الدولية في فتواها التي أعلنت عدم شرعية جدار الفصل العنصري عام 2004.


من المرجح ان يقتنع القضاة بمرافعة جنوب أفريقيا، وإن لم يصدر أمر إيجابي، وفي حال اكتفت المحكمة بالتنديد بالاعتداءات على المدنيين العُزل والأطفال ولم ترَ ان الأعمال الإرهابية الإسرائيلية ترتقي لتعريف جريمة الإبادة، سنشهد هذا العام كيف توظف أدوات القانون الدولي مع القوي مقابل الضعيف في القرن ٢١، يكفي شرفاً للقضية الفلسطينية ومناصريها ما تم توثيقه وان التاريخ شهد على محاكمة إسرائيل على جرائمها، إسرائيل وقفت تدافع عن نفسها أمام المحكمة، وهذا ما يعطينا أملا بمستقبل تتفوق فيه مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي على المصالح والقوة. لقد سطر الفلسطينيون مثالاً حضارياً إنسانياً للتاريخ بتحويل الأنظار للأدوات القانونية في حل النزاعات بينما ما زالت الدول العظمى تلجأ للعنف والصواريخ في تعاملاتها بدلاً من تطبيق واحترام الأدوات الدبلوماسية والقانونية الكفيلة بتحقيق استراتيجيات ربح لو تم التعامل مع كل الشعوب والأنظمة السياسية على قاعدة المساواة في ضمان حق الشعوب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى