دراسات و وثائق

فظائع أبو غريب .. بعد 20 عاما في غزة

في مثل هذا اليوم السادس من شباط/ فبراير عام 2016، هزّت العالم صور نشرتها وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، تظهر التعذيب الوحشي، الذي مورس ضد معتقلين عراقيين في سجن “أبو غريب” غربي بغداد العاصمة عام 2004.

واليوم، وبعد ثماني سنوات على نشر تلك الصور، يعاد انتاجها بأيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المعتقلين من قطاع غزة، الذي يتعرض لعدوان وحشي متواصل جوا وبرا وبحرا، منذ السابع من تشرين الأول/ اكتوبر الماضي.

أحد جنود الاحتلال ويدعى “يوسي غاموز” نشر صورة له (قبل أن يحذفها عن حسابه الشخصي في منصة انستجرام)، يقف فيها أمام معتقل في غزة وقد جُرّد من ملابسه وقُيّدت يداه وراء ظهره، في مشهد أعاد الى الأذهان بعض تلك الصور المروعة من سجن أبو غريب.

هذه الصورة لم تكن الأولى التي تنشرها قوات الاحتلال لمعتقلي قطاع غزة، فمنذ اجتياحها البري لقطاع غزة، عمدت إلى نشر لقطات مصورة لعشرات المعتقلين، وهم معصوبو الأعين ومكبلو الأيدي وشبه عراة، وآخرون صوّروا داخل حفر كبيرة، وغيرهم وهم ينقلون في آليات عسكرية إلى مناطق مجهولة.

مديرة الإعلام والتوثيق في نادي الأسير أماني سراحنة، قالت إن ما نشر حول عمليات التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون من قطاع غزة، هي جزء من سلسلة صور أو مشاهد تمت متابعتها بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، والتي تكشف مستوى التوحش والتعذيب الذي يمارسه الاحتلال بحق آلاف المعتقلين الفلسطينيين، وهو ما يعكس سياسة ثابتة وممنهجة لدى الاحتلال وجنوده، الذين باتوا يتفاخرون بارتكابهم هذه الفظاعات.

وأضافت: عمليات التعذيب هذه ليست جديدة ولا ترتبط بالسابع من أكتوبر فقط، بل على العكس فهي تشكل قاعدة ونهجا لدى الاحتلال في التعامل مع المعتقلين الفلسطينيين على مدار عقود طويلة، إلا أن الفرق الوحيد أنها تضاعفت وأصبحت علنية.

وأشارت إلى أن شهادات المعتقلين الذين أفرج عنهم أو المتواجدين لسنوات طويلة في سجون الاحتلال تتحدث عن مستوى من التعذيب بعد السابع من أكتوبر لم يشهدوه من قبل.

شهادات المعتقلين المفرج عنهم من قطاع غزة، تؤكد أن ما يظهر في هذه الصورة، جزء يسير مما يتعرضون له من صنوف العذاب خلال عملية الاعتقال، التي لا تخلو من إجبارهم على التعري لحظة الاعتقال، والضرب المبرح والاحتجاز في العراء والصعق بالكهرباء والشبح، والحرمان من الطعام والماء والنوم واستخدام دورات المياه ولعدة أيام، والسب والشتم بألفاظ نابية وأخرى خادشة للحياء.

آخر هذه الشهادات، كانت للطبيب سعيد عبد الرحمن معروف الذي اعتقل في ديسمبر/كانون الأول الماضي أثناء عمله في المستشفى الأهلي العربي في مدينة غزة.

وروى معروف معاناته والمعتقلين في معسكرات الاحتلال بعد الافراج عنه حيث بقي مكبل اليدين والقدمين ومعصوب العينين لمدة 45 يوما وهي فترة الاعتقال.

ويقول في شهادته أمام عدد من وسائل الاعلام: أجبروني على النوم في أماكن مغطاة بالحصى دون فراش أو وسادة أو غطاء. تعرضنا للتعذيب الشديد ولا يمكن وصف كل ما مررنا به، فقدت ثلث وزني تقريبا.

وبينت سراحنة أن عمليات التنكيل أو الإجراءات التي لا تصنف بشكل مباشر بتعريف التعذيب في القانون الدولي تعتبر أيضا جزءا من أدوات التعذيب بشكل أو بآخر، كسياسة التجويع والجرائم الطبية والإهمال الطبي المتعمد بحق المعتقلين.

وفي آخر جرائمه بحق معتقلي قطاع غزة، عثر قبل ثلاثة أيام على جثامين 30 شهيدا في بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، داخل إحدى المدارس التي كانت تحاصرها قوات الاحتلال، مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين، أي كانوا رهن الاعتقال قبل اعدامهم.

ويرفض الاحتلال الإسرائيلي الإفصاح عن أي معطيات واضحة عن معتقلي غزة في سجونه ومعسكراته، وينفّذ بحقّهم جريمة إضافية تتمثل بالإخفاء القسري، تحت “غطاء قانوني”.

إصرار الاحتلال على إبقاء معتقلي غزة رهن الإخفاء القسري، يحمل تفسيرا واحدا، هو أن هناك قرارا بالاستفراد بهم، بهدف تنفيذ المزيد من الجرائم بحقهم بالخفاء، إذ يرفض الاحتلال تزويد المؤسسات الحقوقية بما فيها الدولية والفلسطينية المتخصصة بأي معطى بشأن مصيرهم وأماكن احتجازهم حتى اليوم، بمن فيهم الشهداء من معتقلي غزة.

شهادات المعتقلين الذين أفرج عنهم في غزة تعكس مستوى التوحش لدى الاحتلال في التعامل مع كبار السن والأسيرات والأطفال، إلى جانب جريمة الإخفاء القسري التي يمارسها الاحتلال بحق معتقلي غزة، حيث يستمر الاحتلال بتنفيذ لوائح تندرج ضمن قوانين عسكرية وقرارات بحرمان المعتقلين من لقاء المحامي أو معرفة أي شيء عن مصيرهم، موضحة أن هذا يعطي نتيجة واحدة هي أن الاحتلال يريد أن ينفذ ما يريده من جرائم دون أي رقيب أو حسيب، قالت سراحنة.

وأشارت إلى أنه لم يتمكن أي محام أو مؤسسة حقوقية من الوصول لأي من معتقلي قطاع غزة، وأن المعلومات المتوفرة عنهم فقط من شهادات المفرج عنهم.

وأضافت أنه رغم كل النداءات للمؤسسات الدولية لضرورة وقف جريمة الإخفاء القسري بحق معتقلي غزة إلا أن الاحتلال لا يتعاطى مع أي مطلب يتعلق بهم، منوهة إلى أن غالبية معتقلي غزة محجوزون في معسكرات لجيش الاحتلال وبالتالي لم يعلن عن أعدادهم أو أماكن تواجدهم.

ونوهت إلى أن هناك تخوفات من تنفيذ إعدامات ميدانية بحق معتقلي غزة، علماً أن الاحتلال اعترف بإعدام أحد المعتقلين وهو ماجد زقوت، في الوقت الذي رفض الإفصاح عن شهداء آخرين تم إعدامهم من المعتقلين.

ومنذ السابع من تشرين الأول/ اكتوبر الماضي، استشهد سبعة معتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، جراء التعذيب والتعرض للضرب المبرح، اثنان منهم من معتقلي غزة، أحدهما كُشف عن هويته، وآخر لم يكشف الاحتلال عن هويته بعد.

وكانت إدارة سجون الاحتلال قد أعلنت في نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عن احتجاز 661 من معتقلي غزة صنفتهم (بالمقاتلين غير الشرعيين) بحسب توصيف الاحتلال لهم، منهم أسيرات، علمًا أنه وبحسب المؤسسات المختصة ومؤسسات حقوقية دولية فإن التقديرات لأعداد معتقلي غزة تصل إلى الآلاف، غالبيتهم من المدنيين.

وصادقت الكنيست الإسرائيلية في 15 من كانون الثاني/ يناير الجاري، على اقتراح تمديد العمل بسريان اللوائح التي تحرم معتقلي غزة من لقاء المحامين لمدة أربعة شهور إضافية، تنتهي في الثالث من نيسان / أبريل المقبل.

وأشارت سراحنة إلى أن المشاهد التي نراها اليوم رأيناها سابقاً في أبو غريب وغوانتانامو، إلا أن ردة فعل العالم والحكومات بالتحديد فيما يتعلق بعمليات التعذيب بحق المعتقلين الفلسطينيين لم تصحبها الضجة التي اعقبت الكشف عما جرى في أبو غريب وغوانتانامو.

ورأت أن هدف الاحتلال من نشر هذه الصورة التأسيس لاستساغة موضوع التعذيب بشكل علني أمام العالم، مضيفة أن إسرائيل اليوم لم تضع سقفا لمستوى الجرائم التي تنفذها بحق الفلسطينيين والمعتقلين، وهو ما ستكون له انعكاسات كبيرة على كل المنظومة الحقوقية الدولية فيما يتعلق بمصير أو ما يجري مع الفلسطينيين، وأيضا فيما يتعلق بجزء أساسي من قضية المعتقلين التي تشكل إفرازا أساسيا لأي عدوان أو استعمار قائم.

حال بقية الأسرى في سجون الاحتلال، ليس أفضل، فمنذ تولي وزير الأمن الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير منصبه تبنى سياسة انتقامية ضدهم، إلا أنه منذ بدء العدوان على غزة في السابع من تشرين الأول، أمعن الاحتلال في هذه الإجراءات التنكيلية والقمعية.

اليوم يعيش المعتقلون ظروفا حياتية وإنسانية صعبة، جراء عزلهم عن العالم الخارجي، والاعتداء عليهم بالضرب، والتنكيل بهم، وحرمانهم من الزيارات العائلية ولقاء المحامين، والاستيلاء على كافة الأجهزة الكهربائية من غرفهم وأقسامهم، وكذلك الكتب، والاستيلاء على ملابسهم وإبقائهم في نفس الملابس، ومنعهم من الحلاقة، والتفتيش اليومي للغرف، والحرمان من العلاج، والإهمال المتعمد للمرضى.

وصعدت قوات الاحتلال من الاعتقالات في الضفة الغربية بما فيها القدس منذ بدء العدوان، واعتقلت أكثر من (6540) مواطنا بمن فيهم من اعتقلوا من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومن اضطروا إلى تسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن احتُجزوا كرهائن.

فضيحة سجن أبو غريب التي تفجرت عام 2004، أثارت ردود فعل منددة وغاضبة حول العالم، حتى أن الرئيس الأميركي في ذلك الوقت جورج بوش الأبن، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، علقا عليها، لكن صور المعتقلين الفلسطينيين، التي يتفاخر جنود الاحتلال الإسرائيلي بنشرها على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تلق ردة الفعل تلك ولم تحرك العالم، الذي يصر على مواصلة سياسة الكيل بمكيالين تجاه كل ما يتعلق بفلسطين وقضيتها.

نقلا عن وكالة الانباء الفلسطينية “وفا”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى