أقلام وأراء

في ذكرى انقلاب حماس… الرابح والخاسر من الانقسام

بقلم: باسم برهوم

هناك طرف وحيد خاسر من الانقسام هو الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وهناك أطراف عديدة مستفيدة اولهم إسرائيل وثانيهما حماس وجماعة الاخوان المسلمين، ومن ثم القوى الإقليمية التي تستخدم قطاع غزة ومن خلالها القضية الفلسطينية ورقة في لعبة التنافسات الإقليمية. وفي تفاصيل الخسارة فإن الفلسطينيين في غزة هم اكثر الخاسرين، وأكثر من عانى من الانقلاب والانقسام وتداعيتهما، ولكن الاخطر في الخسارة، ان القضية الفلسطينية في تراجع لم يسبق له مثيل، فالمشهد الفلسطيني الحالي وبعد 16 عاما  من الانقلاب، هناك مركزان للقرار السياسي وانفصال قطاع غزة عن الضفة يتعمق.

ربما، وقبل المضي قدما في توضيح  مسائل الربح والخسارة، لا بد من انعاش الذاكرة ببعض المحطات التي انتهت بالانقلاب والانقسام، قد نكون بحاجة لمعرفة حقيقية ان جماعة الاخوان المسلمين تاريخيا لا تؤمن بالشراكة مع احد، وانها لا تقاسم قرارها مع اي طرف، والتاريخ يقدم بهذا الشأن ادلة كثيرة. وفلسطينيا، في نهاية ستينيات القرن العشرين، وفي الوقت الذي انضوت كل فصائل المقاومة في اطار منظمة التحرير الفلسطينية وشكلت مجتمعة الثورة الفلسطينية، فإن جماعة الإخوان الجناح الفلسطيني لم تنضم للثورة.

وبعد تاسيس حماس في نهاية الثمانينيات، التي يقول ميثاقها انها جزء لا يتجزأ من التنظيم الدولي لجماعة الاخوان، رفضت كل عروض الانضمام للمنظمة، كما لم تنضم الى القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الاولى، وبقيت تلعب دورها منفردة. وفي حين رفضت مبدا المشاركة في انتخابات العام 1996 الرئاسية والتشريعية بحجة انها تجري على أساس اتفاقيات اوسلو، فأنها قررت المشاركة في انتخابات العام 2006 بالرغم انها جرت على الأساس نفسه. ومن الواضح ان قرار حماس بالمشاركة نبع من تقديرها انها ستفوز بالانتخابات في ظل هشاشة واقع فتح بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات وهشاشة واقع السلطة التي دمر شارون بناها التحتية ومؤسساتها في عمليته العسكرية “السور الواقي” عام 2002 وعي العملية التي اعاد خلالها احتلال الضفة بالكامل.

وبعد فوز حماس في الانتخابات،  شكلت حكومة منفردة  برئاسة اسماعيل هنية، ونذكر ان الشعب الفلسطيني في حينه واجه حصارا اقتصاديا وسياسيا بسب رفض حماس الاستجابة لشروط اللجنة الرباعية وفي نفس الوقت بقيت تتشبث بالسلطة مما أدخل الحالة الفلسطينية بمأزق كبير، ومن هنا جاءت مساعي الاسرى ووثيقة الاسرى بهدف الخروج من المأزق، ومن ثم تدخل العرب والمملكة السعودية تحديدا وبرعاية الرياض وفي مكة تم ابرام اتفاق الوحدة الوطنية في شباط / فبراير 2007 وانطلاقا منه تم تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة هنية وبقيادة حماس.

وعندما قامت حماس بانقلابها كانت ترأس حكومة الوحدة الوطنية، ولكن كانت مصالح جماعة الاخوان اهم، خصوصا ان السيطرة على القطاع سيعزز فرص سيطرة الجماعة على مصر. ولعله من المهم الاشارة الى ان إسرائيل، التي كانت تراقب التطورات عن كثب، كان حصول الانقسام بالنسبة لها هو بمثابة هدف استراتيجي رأته وهو  يحصل بلى هي التي سهلت حدوثه بإعادة انتشار قوات جيشها من حول القطاع.

في مثل هذه الايام قامت حماس بانقلابها، وكانت اياما دموية ووحشية صعبة تضمنت تفاصيل لم تكن بخيال اي فلسطيني، والمشكلة ان هذا الانقلاب لا يزال مستمرا وتحول الى انقسام اخذ بالتعمق، بل ويتحول الى حالة فصل فعلي بين الضفة والقطاع. ومهما حاولت حماس تغليف او تبرير سيطرتها المنفردة على القطاع بحجة المقاومة، فإن الحقيقة تتضح يوما بعد يوم بانه لا يمكن ان تلتقي المقاومة مع الانقسام او ان تكون مقاومة تحقق مكاسب واهداف وطنية في ظل الانقسام، فهذا الاخير يشكل دمارا للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، كما ان اي مقاومة حقيقية تبدأ من وحدة الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية.

والخطير بالامر ان تعتقد حماس انها تقترب من هدفها بان تكون بديلا لمنظمة التحرير ولفتح، او انها باتت قريبة من ان تعترف إسرائيل بانها الاكفأ للإمساك بزمام أمور الفلسطينيين، وهي القادرة اكثر على حفظ امن إسرائيل، فهذه الاخيرة لا هدف لها سوى ابقاء الانقسام وتعميقه. ومن ثم إنهاء الوجود السياسي للشعب الفلسطيني وتصفية قضيته الوطنية. وبهذا المعنى يبدو واضحا ان إسرائيل وحدها الرابح الحقيقي والوحيد من الانقسام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى