أشهر صعبة لا يصح معها “عليَّ وعلى أعدائي”
بقلم: باسم برهوم
الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة تشن هجوما شاملا ومكثفا على الشعب الفلسطيني، وتحاول مسابقة الزمن لتصفية القضية الفلسطينية، وإذا كان الهجوم يأخذ شكلا عنيفا ودمويا وتدميريا بشعا جدا في قطاع غزة. فإن الهجوم الذي تتعرض له الضفة والسلطة الوطنية هو الاخطر سياسيا على مستقبل القضية الفلسطينية. صحيح أن الهجوم الفاشي يكمل بعضه بعضا، حيث يتم تدمير القطاع بهدف جعله منطقة غير قابلة للحياة لسنوات طويلة قادمة، وعمليا منع او تأجيل إمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. اما في الضفة، فإلى جانب مخطط الضم الذي لم تعد حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير تخفي نواياها بشأنها، فإن الاخطر هو تفكيك السلطة الوطنية، باعتبارها المؤسسة المعترف بها ويتعامل معها العالم، وتمثل ما تبقى من الكيانية الفلسطينية القابلة أن تتحول الى دولة.
وهنا على الشعب الفلسطيني ان يكون حذرا جدا ، وألا ينظر للسلطة كأنها مجرد أشخاص في مواقع المسؤولية يحبهم أو يكرههم، وإنما عليه أن ينظر للسلطة الوطنية كمؤسسة وطنية شرعية، وأحد أهم الانجازات التي تحققت على الأرض الفلسطينية، وعبر تضحيات كبيرة وأن ما تريد إسرائيل اليمينية المتطرفة، حكومة ونخبا، هو إجتثاث جذور هذه السلطة وتفكيكها تماما. والخطير ان تدور الدوائر ويقال للشعب الفلسطيني ان دولتك هي فقط قطاع غزة، وهذا الاخير يتم تدميره، وبالتالي يتم اخراج الضفة والقدس ويقدم القطاع المدمر كليا كدولة.
هناك أشهر قادمة صعبة جدا. وهي بالفعل مصيرية بالنسبة لمستقبل شعبنا الفلسطيني، والمطلع على التاريخ،يمكنه تشبيهها بالاشهر من آب الى نهاية عام 1948، وربما أسوأ من حيث تأثيرها العميق على مستقبلنا. لذلك يجب ان نعمل بأن لا يكرر التاريخ نفسه. ولكن كيف؟ هذا السؤال يحتاج الى إجابة سريعة وموضوعية، بعيدة عن أهواء أي فصيل بعينه.والأهم أن لا ترتبط الإجابة بأي اجندة خارجية، وانما تنطلق من المصلحة الوطنية، ومن رؤية هدفها الحفاظ قدر الإمكان على الوجود الفلسطيني على الارض، والحفاظ هلى المكتسبات الوطنية.
ولعل أخطر ردة فعل هي اليأس أو أن يقود طرف الحالة الفلسطينية الى الانتحار ومغامرات غير محسوبة، فالمثل القائل “علي وعلى أعدائي ” لا يصلح أبدا لأن النتائج ستنعكس علينا فقط ولن تمس أعداءنا بشيء حقيقي. فلديهم من القوة والقدرة على امتصاص اي عمل نقوم به، وفي هذا السياق وما يجب أن يقال هنا أن مغامرة السابع من أكتوبر الحمساوية هي التي أوصلتنا الى هذا المأزق المصيري، فليس مهما ما يجري في اي مكان في العالم من تضامن، الى أهميته. انما المهم هو ما يجري في الميدان، قطاع غزة دمر وتواصل إسرائيل تدميره وتدمير القدرة على الحياة فيه، وفي الضفة يتم تصفية القضية الفلسطينية سياسيا، فالسؤال ما الذي فعله بنا طوفان الاقصى ” كنا نعيش تحت الدلف وأصبحنا تحت مزراب كبير وربما طوفان ، او فيضان كبير يدمر الاخضر واليابس. المشكلة في كل ذلك ان حماس تكابر، وهي مكابرة لها علاقة بأجندة اخوانية وعلاقات حماس الاقليمية. ولا تمت للمصلحة الوطنية الفلسطينية بصلة، والمشكلة الاخرى هي في بعض الفصائل ” اليسارية ” التي ارتهن موقفها بالتمويل الخارجي، ولم تعد ترى الامور بعين وطنية خالصة.
ربما علينا أن نعترف ان ظروفنا الذاتية تبرر للآخرين تملصهم من المسؤولية، وهو تبرير غير منطقي وغير موضوعي، ومع ذلك هناك مسؤولية تقع على عاتقنا وان جزءا مهما من مواجهة الاشهر الصعبة يتطلب تجاوز المأزق الداخلي اولا وقبل كل شيء. العالم بات منشغلا عنا، انتخابات في اوروبا، انتخابات في الولايات المتحدةالأميركية، وهو واقع يمكن أن تستغله الصهيونية العالمية وإسرائيل، بما لديهم من أوراق، الى أبعد مدى كما علمتنا التجربة والتاريخ، هكذا حصل خلال الحرب العالمية الاولى، عندما نجحت الصهيونية بقنص وعد بلفور، وبعد الحرب العالمية الثانية استغلت نتائجها وأقامت إسرائيل في السنوات من عام 1946 الى العام 1949.
اشهر صعبة ومصيرية لا مكان فيها للحسابات الصغيرة والفصائلية، الاجابة عند الطبقة السياسية الفلسطينية، فلماذا هذا التردد في اتخاذ المواقف الصائبة؟