زمن إلغاء الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية قد ولى
بقلم: باسم برهوم
ما زالت إسرائيل تعيش في زمن المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، وفي زمن اليميني المتطرف جابوتنسكي زعيم الصهيونية التنقيحية اليمينية المتطرفة، والشعار الصهيوني الشهير “أرض بلا شعب” وفي زمن وعد بلفور العام 1917 الذي اعتبر الأغلبية العربية الفلسطينية في حينه (94 بالمئة من السكان) مجرد طوائف غير يهودية لها حقوق مدنية ودينية فقط وليس شعبا ينطبق عليه حق تقرير المصير. قرار الكنيست الذي رفض إقامة دولة فلسطينية غرب نهر الأردن، واستخدام حماس كفزاعة لاخافة المجتمع الإسرائيلي والرأي العام الغربي بأنها ستسيطر على الدولة الفلسطينية على الفور. اين هي إسرائيل اليوم من حكومة رابين- بيريس التي قررت عام 1993 تبادل الاعتراف مع الشعب الفلسطيني، وتوقيع اتفاقية سلام معه؟ الحكومة الإسرائيلية الحالية هي مقطع متخلف رجعي من التاريخ مقطع يصر على البقاء في عصر الاستعمار القديم، وهذا الاصرار ليس دليل صحة وقوة، إنما هو دليل ازمة عميقة تهدد بانفجار إسرائيل من الداخل. فلا يمكن ان تستمر طويلا معادلة الديمقراطية مع الاحتلال والعنصرية.
صحيح ان الواقع الفلسطيني على الارض ليس كما يرام، ولكن هذا لا يغير من الحقيقة شيئا. فالفلسطينيون هم مساوون لعدد اليهود من النهر للبحر، وسيصبحون أغلبية خلال سنوات قليلة، كما تتمتع فلسطين الدولة باعتراف 140 دولة. والعالم كله يعتبر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير شرعي وهو واقع قانوني كرسه بشكل اعمق قرار محكمة العدل الدولية الذي صدر يوم الجمعة الماضي. والاهم من ذلك ان مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال لا تزال مستمرة، رغم كل محاولات إسرائيل لإسكاتها.
قرار الكنيست لم يلغ عمليا ورسميا اتفاقيات أوسلو بل هو تعبير على ان إسرائيل عادت الى واقع ما قبل السلام برمته، فعندما يقول القرار ان لا دولة فلسطينية غرب النهر فإنما تعود إسرائيل الى نغمة الخيار الأردني، الذي كان يطرحه الليكود في سبعينيات القرن العشرين. كما لا يغيب عن ذاكرة القارئ ان معاهدة السلام المصرية (1978) قد تضمنت حكما ذاتيا للفلسطينيين، وفيه مرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات يمكن ان تتحول الى دولة أو كيان فلسطيني يتمتع بنوع من الاستقلال، بالمناسبة من وقع على المعاهدة هو الصقر مناحيم بيغن تلميذ جابوتنسكي واليمن الصهيوني المتطرف.
هذا يعني ان إسرائيل في تلك المرحلة كانت تتطور بشكل يتلاءم مع الواقع اكثر، ومع العصر اكثر والقدر الذي تطور في حينه الموقف العربي والفلسطيني باتجاه السلام. إسرائيل اليوم تعيش ازمة عميقة تهرب خلالها الى الماضي بدل ان تواجه التحديات بعقل منفتح. ومما يشعر اي مراقب بالاشمئزاز هو طريقة تصويت اليسار واحزاب الوسط الإسرائيلية، التي نجح نتنياهو بتحويلها إلى نسخة رديئة منه ومن حكومته اليمينية المتطرفة.
إسرائيل غير القابلة للتطور، المتأزمة لا تشكل خطرا على الشعب الفلسطيني فقط، وإنما على المنطقة والعالم. وحتى ما يمكن وصفه بالعُقال والمعتدلين يدركون بأن إسرائيل قد اصبحت خطيرة على نفسها.
ان الاعتراف بالشعب الفلسطيني، ووجود دولة فلسطينية هو ما يمكن ان يمثل خلاص إسرائيل من انغلاقها الايديولوجي، فمن لا يستطيع التخلص من الايديولوجية العنصرية، فإن مصيره ان يؤذي نفسه قبل غيره.
ربما تتراجع إسرائيل عن اعترافها بالحقيقة الفلسطينية، ولكن هل سيلغي هذا التراجع الحقيقة ذاتها؟
لم تنجح الصهيونية ومن بعدها إسرائيل الدولة في الغاء الحقيقة الفلسطينية وقرار الكنيست البائس والرجعي مكانه الوحيد مزبلة التاريخ.