دراسات و وثائق

من خيمة السجن إلى خيمة النزوح

ما إن هبط إبراهيم سالم من مركبة الإسعاف التي نقلته ورفاقه، لمستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، حتى أحاط به مواطنون يسألون عن أبنائهم وأقاربهم الذين اختفت آثارهم أو من اختطفتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اجتياحها البري لمناطق متفرقة في القطاع.

“هل رأيت فلان؟ كيف هو؟ هل مر عليك اسم فلان”، يسأل مواطنون وسط قلق سيما بعد أن كشفت تقارير حقوقية وصحفية عن استشهاد العشرات من المعتقلين الفلسطينيين بسبب التعذيب والتنكيل داخل سجون ومعسكرات الاحتلال، آخرهم المعتقل إسلام السرساوي ( 42 عاما) من حي الشجاعية في غزة، والذي اعتقل خلال الاقتحام الأخير لمستشفى الشفاء، وارتقى نتيجة تعرضه للتعذيب داخل معسكر (سديه تيمان).

وأفرج الاحتلال، الخميس، عن 64 مواطنا اعتقلهم من غزة خلال عدوانه المتواصل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إضافة إلى إفراجه عن سيدتين من القطاع اعتقلتا أثناء مرافقتهما لمرضى يتلقون العلاج داخل أراضي الـ48. ووصل 22 معتقلا من بين المفرج عنهم إلى المستشفى، بينما توجه الآخرون للبحث عن عائلاتهم.

وتحدث سالم (38 عاما) لمراسل “وفا” عن أساليب التعذيب القاسية التي تعرض لها من جنود الاحتلال خلال الاعتقال: “عذبوني بكرسي كهربائي وضرب شديد وكسروا لي أضلاعي”، كاشفا عن صدره الذي ظهرت عليه علامات التعذيب.

ويضيف أن “التعذيب الشديد يستمر لأيام وأسابيع، وخلال مكوثه في السجن استشهد أحد المعتقلين بسبب التعذيب، وقمنا باحتجاج داخل السجن لكنهم هجموا علينا بالهراوات وضربونا بشدة.”

وأعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، ارتفاع عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 إلى (257)، منهم (20) معتقلا ارتقوا منذ بدء حرب الإبادة وهم ممن تم الإعلان عن هوياتهم، بالإضافة إلى عشرات المعتقلين الشهداء من غزة، ويواصل الاحتلال إخفاء هوياتهم.

ويشير سالم إلى أنه جنود الاحتلال اقتادوه عقب اعتقاله إلى منطقة لا يعرفها، وتعرض هناك للتعذيب الشديد، قبل نقله إلى خيام سجن “النقب” الصحراوي، لافتا إلى أن غالبية المعتقلين في سجن “النقب” يعانون من الجرب بسبب قذارة الفراش القديم جدا.

“جرب وجوع وعطش ولا رعاية صحية ومعظمهم فقد نصف أو ثلث وزنه”، يوضّح سالم.

ويتابع أن “السجانين يستخدمون الكلاب في ترهيب المعتقلين، إلى جانب حرمانهم من الطعام والماء، حيث يقدمون لهم وجبات الطعام شحيحة”.

“شرائح خبز صغيرة لا تكفي طفلا وفراش متسخ لا يسمح بغسله ولا رعاية طبية ولا أدوية”، يبين سالم.

وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد اعتقلت المواطن إبراهيم سالم من مستشفى كمال عدوان شمال غزة، أثناء مرافقته لأطفاله الذين أصيبوا في قصف منزل عائلته في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

وقصفت قوات الاحتلال منزل عائلته في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، واستشهد أخوه محمد (25 عاما) وأخته أحلام (27 عاما) وطفليها رامي (3 سنوات) ومحمد (5 سنوات) وأصيب أطفاله الثلاثة بجروح.

“نقلت أطفالي للمستشفى ومكثت معهم أول يوم لكن في اليوم التالي اقتحم جنود الاحتلال المستشفى واختطفوني من هناك أنا ومواطنين آخرين ولا أعلم حتى الآن مصير أطفالي”، يقول سالم.

ولم يقوى سالم على الوقوف كثيرا، فقد وصل منهكا تعبا يتضور جوعا وعطشا، وجلس خارج المشفى على مصطبة لأحد المحال التجارية يحيط به بعض المواطنين وجيران وأقارب نزحوا من شمال غزة لم يكفّوا عن الأسئلة.

وكان سالم سعيدا عندما تواصل أحد الجيران بأبيه عاطف، الذي يرفض حتى الآن النزوح من شمال عزة، حيث تحدث مع والده وبعض أفراد العائلة قليلا. ثم تلقى مكالمة من أخيه وسيم المقيم في تركيا، حمل الهاتف مبتسما وفجأة صرخ وألقى بالهاتف جانبا، فقد عرف أن أخيه “ليث” قد استشهد أيضا.

واستشهد ليث أثناء محاولته إنقاذ جيرانه الذين تعرض منزلهم لقصف من طيران الاحتلال، حيث قصف الاحتلال المنطقة بصاروخ آخر، ما أدى لارتقائه وارتقاء وإصابة العشرات في 12 كانون الأول/ديسمبر الماضي.

وكان سالم قد فقد أخاه الثالث “خليل” (31 عاما) في قصف للاحتلال على مخيم جباليا في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

نهض سالم مع رفاقه يجر قدميه إلى وجهة لا يعلمها سائلا: “أين نحن؟ أين نذهب؟ أريد أن أعود لأطفالي وأهلي شمال غزة”.

شرح له مرافقوه استحالة العودة لشمال القطاع وأنهم الآن وسط القطاع، فاصطحبوه وهو يبكي، واستقلوا مركبة توجهوا إلى خيمتهم في منطقة المواصي غرب خانيونس جنوب القطاع، المنطقة التي يصنفها الاحتلال أنها “آمنة” لكنه شن عليها أكثر من غارة موقعا عشرات الشهداء والجرحى.

ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، تشن إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، حربا على قطاع غزة خلفت أكثر من 130 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.

وتواصل إسرائيل الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني بغزة.

نقلا عن وكالة الانباء الفلسطينية “وفا”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى