دراسات و وثائق

جثامين الشهداء المحتجزة.. العودة إلى التراب بلا ملامح

تقرير: يامن نوباني

بأكياس زرقاء، وأرقام، تأتي شاحنة من معبر كرم أبو سالم إلى مجمع ناصر الطبي في خان يونس بالتنسيق مع الصليب الأحمر محملة بجثامين 84 شهيداً مجهول الهوية، شهداء لا يحملون إلا أرقاماً وضعها الاحتلال على الأكياس البلاستيكية.

في حفرة رملية، بمقبرة جماعية جديدة في خان يونس، ووريت الجثامين، هياكل عظمية، جثثا متحللة، بلا أكفان، بلا أسماء، بلا شواهد، بلا جنازات وبيوت عزاء. فقط ما تم تقييده: تاريخ الدفن.

لوعة مئات العائلات على أبنائها لا تتوقف، حتى بعد استشهادهم، ينتظرون أي خبر عن تسليم جثامين، ليهرعوا إليها، في محاولة للتعرف إلى أبنائهم وأقاربهم وإعادة دفنهم في قبور معلومة، باسم وشاهد.

“لابس ساعة عريضة، وبلوزة سودا نص كم، أنا بعرف الساعة وبعرف إبني”، هذا ما قالته “أم” غزية، والدة أحد الشهداء المخطوفة جثمانيهم، لمواطن من الذين استلموا شاحنة حملت جثامين 84 غزياً، قبل أن يأتوا لها بساعة مشابهة وُجدت على يد أحد الشهداء، لترد المرأة: آه ساعته.

أم غزية ثانية، تحدثت في مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي: جئت لأبحث عن ولديّ، عمراهما 31 عاما و34 عاما، قلبي يشتعل ناراً منذ استُشهدا ولم أجد جثمانيهما، طيلة الليل والنهار تشتعل النار في قلبي، لا أنام الليل وأنا أنتظر العثور على جثمانيهما، أريد أن أرى الجثث الـ84، جثة جثة، لأتعرف إلى ولديّ، أصابني الجنون وأنا أبحث عنهما.

أم ثالثة: أبحث عن جثمان ابني لأشعر بالراحة، مثل كل ما أم تريد جثمان ابنها. لكنني لم أجده بين الجثامين.

أحد طواقم الدفاع المدني، قال خلال الإشراف على دفن الجثامين: لا نعلم من أين تم انتشالهم، وهل هم من المفقودين أم من داخل الأسر أم من المقابر؟.

وأشارت مصادر طبية من غزة، إلى أن الاحتلال قام بتسليم الشهداء الـ84 في 35 كفناً فقط، منهم 13 جثة وُضعت في كفن واحد، و22 جثة في كفن آخر، وباقي الشهداء جثامينهم متفرقة في عدة أكفان.

وأضافت المصادر: أن الاحتلال قد اختطف على مدار 304 أيام من جريمة الإبادة الجماعية أكثر من 2000 جثمان لشهداء وموتى من عشرات المقابر في محافظات قطاع غزة التي قام بتدميرها وتجريفها بالجرافات والآليات العسكرية، ومنها نبش قبور في خان يونس وجباليا وحي التفاح.

منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، حسين شجاعية، قال لـ”وفا”، عدد الشهداء المحتجزة والمخطوفة جثامينهم غير معروف، والمعلومة الوحيدة التي يمتلكها وهي ما صرحت به صحيفة هآرتس قبل أسابيع، بأن الاحتلال يحتجز في معتقل “سديه تيمان” 1500 جثمان فلسطيني.

وأضاف: منذ بداية الإبادة على شعبنا في قطاع غزة، سلّم الاحتلال ما يقارب 500 جثمان، وثقنا منها قبل آخر تسليم تم أمس (329) شهيداً مجهولاً تم دفنهم جميعا في مقابر جماعية في رفح وخان يونس، ففي 22 تشرين الثاني 2023 سلّم 111 جثماناً، وبتاريخ 26 كانون الأول 2023 سلّم 80 جثماناً، وفي 30 كانون الثاني 2024 سلّم 100 جثمان، وفي 7 آذار سلّم 47 جثماناً، وجثمانا واحدا في 2 أيار 2024، وفي 5 آب 2024 سلّم 84 جثماناً. وجميع الجثامين، هي لشهداء مجهولي الهوية.

ولفت شجاعية، إلى أن الاحتلال يحتجز حتى اللحظة 533 جثمان شهيد من الضفة الغربية والقدس، في مقابر جماعية وثلاجات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى