دراسات و وثائق

أطفال غزة.. يموتون جوعا

والدة أحدهم: توفي طفلي مختنقا وجائعا، وأخرى: كان فرحة قلبي

“لم يكن هناك حليب صناعي بسبب الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، ولم يكن هناك حليب في ثديي بسبب نقص الغذاء ومنع دخول المساعدات”، قالت والدة الطفل أنور الخضري، البالغ من العمر ثلاثة أشهر، من الشجاعية شرق مدينة غزة، للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.

وتابعت: “كنتُ مشردة في مستشفى الشفاء، مع زوجي وابني الوحيد، أنور”.

واستُشهد الطفل أنور في مستشفى كمال عدوان -بعد أن نُقل إليه- في الرابع عشر من شهر شباط الماضي جراء سوء التغذية.

وأضافت والدته: “ابني بكى طوال الليل من الجوع. ارتفعت حرارته، وتوفي بعد أربعة أيام”.

والطفل أنور هو واحد من عشرات الأطفال الفلسطينيين الذين استُشهدوا في قطاع غزة خلال الأشهر الأخيرة، بسبب سياسة التجويع التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق أهالي القطاع منذ بدء عدوانها في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ووفقا لمصادر طبية في قطاع غزة، فقد استُشهد نحو 37 طفلا جراء المجاعة، وتشمل هذه الحصيلة فقط من استُشهدوا في المستشفيات أو الذين أبلغت عائلاتهم عن استشهادهم.

وتمنع سلطات الاحتلال بشكل منهجي الأطفال الفلسطينيين في غزة من الحصول على غذاء كافٍ وتغذية سليمة، ما يزيد تفشي الجوع وسوء التغذية، وهذا الحرمان المتعمد يؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة، وتوقف النمو، وزيادة مقلقة في معدلات الوفيات بين الأطفال.

ووثقت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال شهادات من أمهات أطفال استُشهدوا بسبب سياسة التجويع التي نجم عنها سوء تغذية وجفاف في مستشفى كمال عدوان بمدينة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة.

وقال مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية، للحركة العالمية، إن المستشفى يستقبل حوالي 70 إلى 100 طفل يوميا يعانون سوء التغذية، مضيفا أن “هناك ثلاث مستويات من سوء التغذية لدى الأطفال: خفيف، ومتوسط، وشديد، وأغلبية الحالات التي يستقبلها المستشفى هي من المستوى المتوسط، بينما تمثل الحالات الشديدة 5 إلى 7% من الحالات. قد تزيد هذه النسبة إذا استمر الجوع ولم تقدم الإمدادات الغذائية”.

وأضاف أن انتشار الجوع في شمال غزة والوفيات الناتجة عن سوء التغذية للأطفال أصبح واقعا صارخا، مشيرا إلى أن أكثر من 25 طفلا استُشهدوا في مستشفى كمال عدوان بسبب الجوع، مع تسجيل وفيات إضافية في مراكز الإيواء والمنازل.

“العديد منهم لم يتمكنوا من الوصول إلى المستشفى بسبب الحصار واعتداءات قوات الاحتلال المستمرة”، قال الدكتور أبو صفية.

وقالت والدة الطفل كرم قدادة البالغ من العمر 10 سنوات، إن طفلها “كان يحب لعب كرة القدم والتصوير، وقد أنشأ حساباً على تيك توك.

كان كرم محاصرا مع عائلته في مستشفى الشفاء لمدة أسبوع، وبسبب النقص الحاد في الإمدادات الغذائية الناجم عن الحصار الذي فرضه الاحتلال على المستشفى، تم نقله إلى مستشفى الأهلي العربي خلال الحصار بعد السماح للمرضى بالإخلاء.

ازدادت حالة الطفل كرم سوءا بسبب نقص الطعام والعلاج الطبي والمضادات الحيوية في مستشفى الأهلي العربي، وتدهورت صحته بشكل كبير، ما أدى إلى فقدان شديد في الوزن، ثم تم نقله إلى مستشفى كمال عدوان.

وأضافت والدته: “تم وضع طفلي في قسم النساء (عند وصوله إلى مستشفى كمال عدوان)، لأنه لم يكن هناك مكان له في وحدة العناية المركزة. وهذا جعل حالته أسوأ، فتم نقله لاحقا إلى وحدة العناية المركزة. وتوفي بعد أسبوع في الوحدة”.

استُشهد كرم في 30 آذار/ مارس الماضي بسبب سوء التغذية وارتفاع مستويات الأملاح في الدم.

ولم يتمكن مستشفى كمال عدوان ومستشفيات أخرى في قطاع غزة من جمع بيانات شاملة حول وفيات الأطفال الناجمة عن سياسة التجويع وسوء التغذية والجفاف بسبب الإبادة الجماعية المستمرة ونقص الكوادر الطبية الحاد.

الطفل عبد العزيز سالم، البالغ من العمر سبعة أيام، استُشهد في مستشفى كمال عدوان في الثاني من آذار/ مارس بسبب توقف القلب ونقص الأوكسجين.

وُلد الطفل عبد العزيز في المستشفى نفسه دون مساعدة الأطباء بسبب نقص الكوادر الطبية، وأمضى أسبوعا في الحاضنة بينما كانت والدته في حالة حرجة، تعاني اليرقان وتأثيرات سوء التغذية أثناء الحمل.

وقالت والدته للحركة العالمية: “لم أتمكن من إرضاع ابني لأنني لم أكن أملك الطعام وأصبت بالمرض”.

وتنحدر والدة الطفل من الفالوجة غرب مخيم جباليا شمال غزة، وقد تم تهجيرهم قسرا على الأقل ست مرات خلال فترة حملها.

وأضافت: “لم يكن هناك أوكسجين أو حليب للأطفال في المستشفى. توفي ابني مختنقا وجائعاً”.

وتعاني المستشفيات في شمال قطاع غزة وضعا حرجا بسبب منع سلطات الاحتلال دخول الإمدادات الطبية الأساسية إلى القطاع، إضافة إلى قطع إمدادات الكهرباء، وتقييد الحصول على المياه النظيفة اللازمة لتوفير الرعاية الصحية المناسبة للأطفال.

الطفلة جود البرش، البالغة من العمر سبعة أيام، من مخيم جباليا، استُشهدت في مستشفى كمال عدوان في الثاني من شهر آذار/ مارس الماضي بسبب سوء التغذية، إذ لم تتمكن والدتها من إرضاعها نتيجة لنقص الغذاء.

تم وضع الطفلة في حاضنة المستشفى لمدة أسبوع بسبب سوء التغذية الناجم عن نقص حاد في الحليب الطبيعي والصناعي.

وقالت والدتها: “توفيت جود جوعا، وترك لي الله توأمها، التي أنجبتها بعد عشر سنوات من الزواج”.

أما والدة الطفلة ميلا عبد النبي البالغة من العمر ثلاث سنوات، التي تعمل ممرضة في وحدة العناية المركزة بمستشفى كمال عدوان، فقالت للحركة العالمية: “توفيت ابنتي أمام عيني ولم أستطع إنقاذها”.

وأضافت: “عدت للعمل في ذلك اليوم (يوم وفاتها)، وأغلق زملائي الباب لمنعي من الدخول. ولكن عندما دخلت، وجدت ابنتي ميتة وملفوفة بالكفن”.

استُشهدت الطفلة ميلا في مستشفى كمال عدوان في الثاني من آذار/ مارس الماضي بسبب سوء التغذية.

وأضافت والدتها: “عندما اجتاحت قوات الاحتلال المنطقة الشمالية وحرمتنا من الطعام، عانت طفلتي نقص المعادن وبقيت على أجهزة التنفس الاصطناعي من 29 شباط/ فبراير حتى يوم وفاتها. كانت ميلا ذكية جدا ومتعلقة بي، كانت ابنتي الوحيدة”.

الطفل مصعب أبو عصر، البالغ من العمر أربع سنوات، أصبح هيكلا عظميا بسبب المجاعة، وقالت والدته، للحركة العالمية، “الأسعار مرتفعة جدا، ولا يستطيع أحد شراء أي شيء”.

تم إدخال الطفل مصعب إلى مستشفى الأهلي العربي في الثالث من شباط/ فبراير، قبل أن يُنقل إلى مستشفى كمال عدوان بعد إغلاق وحدة العناية المركزة بسبب انقطاع الكهرباء، وقد تدهورت صحته وفقد وزنه حتى استُشهد في الحادي عشر من الشهر ذاته.

وأضافت والدته: “كان مصعب أول أطفالنا. كان ذكيا ومشرقا في رياض الأطفال. أشاد به جميع معلميه. كان اجتماعيا وينضم إلى زملائه في اللعب. أَحب ركوب الدراجة. وكان يحب الفراولة والموز كثيرا. كان فرحة قلبي”.

أما والدة الطفل ناهض حبوش، البالغ من العمر شهرين، من مخيم جباليا، فقالت: “أُدخل طفلي المستشفى مرتين. الأولى كانت بسبب بكاء شديد وجفاف، فتحسنت حالته بالسوائل والعلاج”.

عانى الطفل ناهض تدهورا صحيا وجفافا، وتم وضعه في وحدة العناية المركزة حيث بقي على أجهزة التنفس الاصطناعي لمدة ثلاثة أيام حتى استُشهد في الثالث من نيسان/ إبريل الماضي.

وتابعت والدته: “توفي ناهض جوعا بسبب نقص الرضاعة الطبيعية، إذ لم يكن هناك طعام لي أو حليب للأطفال بسبب الحصار الإسرائيلي”.

ووفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، فإن النساء في قطاع غزة يواجهن Top of Form Bottom of Form

فإن النساءتحديات في الرضاعة الطبيعية بسبب نقص التغذية، والضغوطات، والصدمات النفسية، إضافة إلى نقص حليب الأطفال، وقلة الفحوصات الخاصة بسوء التغذية، والتوزيع غير المنتظم لمكملات التغذية.

وحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فإن هناك أكثر من 50,000 طفل في غزة بحاجة إلى علاج من سوء التغذية الحاد.

وأكدت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أن الحصار والقيود المفروضة على المساعدات الإنسانية خلال حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال بحق أهالي قطاع غزة تخلقان أزمة إنسانية، وتتسببان في مواصلة معاناة المواطنين، وأن الأطفال الفلسطينيين يموتون جوعا وألما لأن الاحتلال يتعمد حجب المساعدات الإنسانية عن القطاع، وهذا يُعتبر عملا من أعمال الإبادة الجماعية، ودون وقف فوري لإطلاق النار، وحظر المجتمع الدولي تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، سيتعرض المزيد من الأطفال الفلسطينيين في غزة للموت جوعا.   

وتُعتبر المجاعة جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب وفقا لاتفاقيات جنيف، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، عندما تُستخدم وسيلة حرب أو عملا متعمدا ضد السكان.

نقلا عن وكالة الانباء الفلسطينية “وفا”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى