دراسات و وثائق

شاطئ البحر ملاذ الغزيين الفارين من أهوال الحرب

على شاطئ بحر وسط وجنوب قطاع غزة، تنتشر آلاف الخيام المهترئة المصنوعة من القماش والنايلون بشكل غير منظم، حيث تؤوي نازحين أُجبروا على مغادرة منازلهم قسراً بفعل أوامر الإخلاء الإسرائيلية، في ظل حرب متواصلة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ولم يعد شاطئ البحر للاستجمام في فصل الصيف كما هو معروف في كل مكان بالعالم، بل تحول إلى ملاذ للغزيين الفارين من أهوال الحرب وما خلّفته من دمار وقتل.

وعلى طول شاطئ البحر، من مخيم النصيرات وسط القطاع، وحتى مدينة خان يونس جنوبا، يفترش الأطفال والأهالي الأرض خارج خيامهم التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، حيث لا تتوفر وسائل تهوية، وترتفع درجات الحرارة إلى 35 درجة مئوية.

وارتفعت أعداد النازحين على شاطئ البحر بعد الأوامر الجديدة للإخلاء التي أصدرها الجيش الإسرائيلي لمناطق شرق مدينة دير البلح في وسط قطاع غزة الأسابيع الماضية.

والاثنين الماضي، أجبر الاحتلال 250 ألف مواطن على النزوح قسرا، فيما خرج 25 مركز إيواء عن الخدمة، وعدد من المنشآت الخدمية الإنسانية؛ تحت وطأة قرارات الإخلاء القسرية الأخيرة.

وفي هذا المكان المكتظ بالنازحين، تجد من ينشغل بغسل الأواني، وآخر بغسل الملابس، بينما يتجه البعض إلى جمع الحطب والورق لإشعال النيران، وآخرون يسعون إلى العثور على مياه صالحة للشرب.

معاناة مستمرة

وأمام الخيام المنتشرة، تتراكم النفايات في كل مكان، في ظل العجز عن جمعها بسبب ظروف الحرب ونقص الوقود اللازم لآلياتها، ما يخلق بيئة غير صالحة للحياة الإنسانية، تتفاقم فيها معاناة المواطنين، بسبب تردي الظروف البيئية.

ومنذ بداية العدوان على غزة، يجبر جيش الاحتلال المواطنين على مغادرة منازلهم، والتوجه إلى مناطق يُطلق عليها اسم “المناطق الإنسانية”، ومع ذلك، تواجه هذه المناطق القصف أيضا، ما يؤدي إلى وقوع شهداء وجرحى، ومأساة إنسانية.

واضطر النازحون إلى إنشاء مخيمات مؤقتة في أماكن متفرقة في قطاع غزة، بعد أن تركوا منازلهم قسرا، خاصة في المناطق الغربية القريبة من شاطئ البحر.

وتفتقر هذه المخيمات إلى أبسط مقومات الحياة، وتمثل ملاذاً مؤقتاً للعديد من الأسر التي نزحت جراء القصف، حيث يعيش التحت ظلالها في ظروف صعبة.

وفي تلك الخيام البدائية يواجه المواطنون خطر الجوع والعطش، ونقص العلاج وخاصة الأطفال، إذ يمنع الاحتلال دخول المساعدات بشكل كافٍ، في إطار حرب “إبادة جماعية” يشنها على القطاع.

ويعتمد الغزيون على الخشب والورق والنايلون لاستخدامها وقودا لإعداد الطعام على نارها، فيما ينامون على التراب مع فراش بسيط، ويعانون غياب أدوات الحياة الحديثة والمعدات الأساسية.

وعلاوة على ذلك، تعاني العائلات في الليل انتشار الحشرات والزواحف، ما يزيد قلقها وخوفها على سلامتها، ولا وسائل لديها لمنعها سوى إشعال النار ليلاً في محيط الخيمة.

كفاح من أجل الحياة

وأمام خيمته في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يستريح المواطن سيف الحلبي (39 عاما)، الذي يعيل أسرة مكونة من 5 أفراد، بعد أن تمكن من جمع أوراق وخشب لإشعال نار لطهي الطعام.

وقال الحلبي للأناضول: “الوضع مأساوي جدًا، هربنا من مدينة غزة في بداية الحرب وانتقلنا إلى مدينة رفح جنوبا، ثم توجهنا إلى دير البلح قرب مستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع، الذي أمر جيش الاحتلال بإخلاء محيطه قبل أيام، والآن نقيم على شاطئ البحر”.

ويخشى من أن تفاجئهم زوارق الاحتلال الحربية، وتطلق النيران عليهم، كما حدث في الأشهر الماضية، إذ استُهدفت الخيام على شاطئ البحر، ما أسفر عن وقوع العديد من الجرحى.

ولفت إلى أن “الحياة على شاطئ البحر صعبة، وليست مأوى جيدا خصوصا للأطفال”، موضحا أن أطفاله يعانون أمراضا متعددة، تشمل حساسية في الصدر وارتفاعا مستمرا في درجات الحرارة.

وذكر أن زوجته كانت حاملاً، ولكن حملها لم يستمر بسبب ظروف النزوح والتنقل، ما أدى إلى إجهاض جنينها في الشهر الخامس.

وقال: “نعيش حياة صعبة في ظل نقص مقومات الحياة الأساسية مثل المياه والطعام، ولا نجد مكانا سكنيا يليق بنا حيث كل الأماكن مستهدفة”.

والاثنين، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، في منشور على منصة “إكس”، أن نقص المياه بلغ 85% في دير البلح وسط قطاع غزة، مبينةً أن 3 آبار ماء فقط من أصل 18 تعمل في المدينة جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 11 شهرا.

داء يفتقر إلى الدواء

بدورها، تقول المواطنة هند عبد الوهاب (55 عاما)، التي تعاني مرض السكري وارتفاع الضغط، لوكالة الأناضول: “البحر في كل دول العالم يُستخدم للاستجمام، لكن في غزة أصبح لنقيم عليه كنازحين”.

وتضيف عبد الوهاب، التي تقيم مع والدها المسن وأشقائها وأطفالها على شاطئ بحر غزة داخل خيمة، بعد أن نزحت من حي التفاح في مدينة غزة: “لا يوجد دواء، وأعاني عدة أمراض، وأحتاج إلى علاج، والنفايات منتشرة من حولنا بشكل كبير”.

والسبت، أعلنت مصادر طبية، نفاد 60% من قائمة الأدوية الأساسية و83% من المستهلكات الطبية جراء الحرب وسيطرة إسرائيل على المعابر وإغلاقها.

وأشارت عبد الوهاب، إلى أن أبناءها بحاجة إلى ملابس وطعام جيد ومياه نظيفة، ولا يوجد شيء من ذلك متوفر في أماكن النزوح.

وأوضحت أنها تعاني النزوح والتشرد قسرا منذ بداية الحرب، وأن الوضع “لم يعد يُحتمل”، إذ أصبح أمامهم خياران فقط، “إما الموت بنيران الاحتلال، أو الغرق في مياه البحر”.

وتعرب عن أملها في العودة إلى منزلها، قائلة: “أتمنى العودة إلى منزلي حيث كانت حياتنا نظيفة ومعقمة، والطعام والدواء متوفرين”.

ومنذ اندلاع العدوان، يقطع الاحتلال الكهرباء عن قطاع غزة ويمنع دخول الوقود لتشغيل محطة التوليد الوحيدة، فضلا عن وقف إمدادات الماء والاتصالات والمواد الغذائية والعلاج، وإغلاق المعابر.

وتدخل إلى غزة حاليا مستلزمات طبية ومساعدات دولية “محدودة” لا تكفي حاجة القطاع، الذين يعانون أوضاعا إنسانية وصحية كارثية.

وتواصل قوات الاحتلال عدوانها برا وبحرا وجوا على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد 40 ألفا و534، وإصابة 93 ألفا و778، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى