عائشة نور شهيدة
بقلم: د. باسم خضر التميمي
في منتصف نهار الجمعة السادس من أيلول/ سبتمبر نُقلت المتضامنة الأميركية من أصل تركي عائشة نور إزغي إلى مستشفى رفيديا الحكومي بنابلس مصابة برصاصة في الرأس أدت إلى استشهادها.
وصلت عائشة نور إلى فلسطين قبل استشهادها بيومين للمشاركة في حملة “فزعة” لدعم وحماية المزارعين الفلسطينيين من انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه إلى جانب عدد من المتضامين الأجانب، التحقت عائشة والمتضامنون بالمسيرة الأسبوعية التي ينظمها أهالي بلدة بيتا جنوب نابلس عقب صلاة الجمعة والتي تهدف إلى إخلاء مستوطنة “أفيتار” المقامة على قمة جبل صبيح، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين، إحدى هذه الرصاصات أصابت عائشة في رأسها، أدت إلى استشهادها. عائشة نور وصلت إلى فلسطين من أجل أن توقف قتل الفلسطينيين، لكن إسرائيل قتلتها.
وفي العقدين الأخيرين، شهدت الأراضي الفلسطينية سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية بما فيها القدس تصاعد التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية بالتزامن مع نهج إسرائيلي مليء بالجرائم ضد المتضامنين مع شعبنا، والمنحازين للحق والعدالة، والنابذين للظلم والقهر والاستيلاء على حقوق الشعوب وأوطاونها، فقد طالت الانتهاكات الإسرائيلية غالبية المتضامنين الأجانب إذ تعرضوا لاعتداءات بالضرب، والاعتقال، وفي بعض الأحيان بالقتل بالاستهداف المباشر.
لحقت عائشة نور بالأميركية راشيل كوري التي قتلتها إسرائيل في عام 2003، بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وهي تحاول الوقوف في وجه آلية عسكرية إسرائيلية تهدم بيوت الفلسطينيين. كما قتلت الصحفي البريطاني جيمس هنري ميللر بالرصاص داخل غزة في عام 2003 أثناء تصويره فيلما وثائقيا لهيئة الإذاعة البريطانية. وكذلك قتلت المتضامن البريطاني توم هرندل برصاصة إسرائيلية في رأسه في عام 2004 وهو يحتضن طفلة فلسطينية صغيرة، في محاولة منه لحمايتها من الرصاص في مدينة رفح. وفي عام 2010 شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوما مسلحا على سفينة مرمرة التركية على مقربة من شاطئ بحر غزة، والتي جاءت وعلى متنها مئات المتضامنين الدوليين لكسر الحصار عن قطاع غزة وقتلت عشرة متضامنين أتراك وأصابت بجروح مختلفة ستة وخمسين متضامنا من جنسيات مختلفة.
تأتي أهمية مشاركة المتضامنين من حركة التضامن الدولي في الفعاليات النضالية الفلسطينية داخل الأراضي الفلسطينية في أنها تعمل على نقل رسالة للرأي العام العالمي للضغط على حكوماتهم لوقف الصمت تجاه جرائم الاحتلال وإجباره على الالتزام بقواعد القانون الدولي، وكذلك تعمل على تعرية الاحتلال وممارساته العنصرية، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في معاناته والمساهمة في توفير بعض الحماية لهم من البطش الإسرائيلي.
لقد تمكنت الرواية الإسرائيلية للصراع من تشكيل الرأي العام العالمي وخاصة الغربي، وأثرت على السياسة الدولية وتغطية وسائل الإعلام والرأي العام لعقود. إلا أن تحولا ملحوظا بدأ يظهر مدفوعا بشكل كبير بحركة التضامن العالمي من أجل فلسطين، والتي أبرزت قصصًا ووجهات نظر تركز على انتهاكات حقوق الإنسان، والأزمة الإنسانية، والصعوبات اليومية التي يواجهها الفلسطينيون من خلال ما ينقله المتضامنون الأجانب داخل الأراضي الفلسطينية لمشهد هم أحد شهوده.
تم التعبير عن التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية بأدوات متعددة، من المظاهرات والاعتصامات والفعاليات في الجامعات والمدن الأميركية والغربية والإجراءات القانونية وأنشطة الاتحادات، وتظهر آثارها بشكل واضح في تصدر العناوين في وسائل الإعلام الدولية، وهو ما جعل من المتضامنين الدوليين لاعبا حاسما في لفت الانتباه إلى معاناة الشعب الفلسطيني، ودحض الرواية الإسرائيلية وتقديم فهم أكثر توازنا وشمولية للصراع. كما ركزت حركة التضامن الدولية على حقوق الإنسان والقانون الدولي كرواية مضادة من خلال تسليط الضوء على قضايا أساسية شملت العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وحصار غزة، والاستيطان والمستوطنات في الضفة الغربية والقدس، وغيرها من الانتهاكات الإسرائيلية.
هناك فرص كبيرة للاستفادة من التضامن العالمي من خلال تكثيف الضغط لتعزيز السياسات التي تعطي الأولوية لحقوق الإنسان والقانون الدولي والدفع نحو سياسات أكثر توازنا للمساعدات الخارجية وبيع الأسلحة، ودعم المبادرات الدولية للسلام والعدالة لفلسطين، وتشجيع الجهود الدبلوماسية التي تعترف بحقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني. إن الدعم العام المتزايد لحقوق الشعب الفلسطيني لديه القدرة على الضغط على الحكومات لإعادة النظر في مواقفها وسياساتها، خاصة في الدول ذات الحكم الديمقراطي والتي يحظى الرأي العام فيها بوزن كبير.
يمثل التوسع العالمي للتضامن مع القضية الفلسطينية فرصة مهمة لتحدي الاستفراد الإسرائيلي بنشر روايته للصراع متيحا الفرصة للتغيير في السياسات العالمية واتخاذ خطوات هامة نحو التحرك لإنهاء الاحتلال. وهذا ما يدفع بالاحتلال لممارسة الترهيب بكل أشكاله للمتضامنين الدوليين سواء المتواجدون على أرض فلسطين أو المنتشرون في أصقاع الأرض، وهذا ما دفعت الشهيدة عائشة نور حياتها ثمنا له.