قراءة أولية للعملية الإيرانية
بقلم: عمر حلمي الغول
للمرة الثانية خلال عام الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، وجرائم حرب الاغتيالات المسعورة ضد قيادات وكوادر حزب الله وعلى رأسهم الأمين العام السابق حسن نصرالله، وسقوط عدد من العسكريين والأمنيين والدبلوماسيين الإيرانيين، أبرزهم نيلفروشان، الرجل الثاني في الحرس الثوري، ردت إيران أمس الثلاثاء الأول من تشرين الأـول/ أكتوبر الحالي بإطلاق عشرات الصواريخ، حيث صدر بيان عن الحرس الثوري، قال، إنهم أطلقوا 80 صاروخا باليستيا وفرط صوتي على إسرائيل، في حين ذكرت المصادر الإسرائيلية العسكرية، أن عدد الصواريخ التي أطلقت بلغ نحو 400 صاروخ، حتى إعداد المقال.
هذه العملية جاءت ردا للاعتبار الإيراني، وذرا للرماد في العيون اللبنانية والفلسطينية وحلفائها الآخرين، بعد أن فقد حلفاؤها الثقة بمواقف المرشد علي خامنئي وقادة أركانه من الحرس الثوري طيلة الشهرين الماضيين، حيث تم اغتيال إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية، طهران في 31 تموز / يوليو الماضي، وتلت ذلك سلسلة من الاغتيالات توجت باغتيال نصر الله في 27 أيلول / سبتمبر الماضي وما بينهما من عمليات طحن وإبادة للشعبين الفلسطيني واللبناني، أضف إلى قصف مدينة الحديدة اليمنية. لذا كان لابد من الرد على التغول والإبادة الإسرائيلية الأميركية، الذي فاق التصور والاحتمال من استباحة حكومة الائتلاف الفاشي الإسرائيلي للمنابر الدولية كافة، نتاج الدعم المطلق من الإدارة الأميركية، التي أعلنت من البداية وحتى أمس، أنها ستدافع عن إسرائيل، وصرح قادتها وعلى رأسهم الرئيس الأميركي بايدن، من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، وأعطى تعليماته الصريحة كونه القائد الأعلى للجيوش الأميركية من غرفة العمليات في البنتاغون، بوضع الجيوش والأساطيل والقوات العسكرية الأميركية في الإقليم وأوروبا بتقديم الدعم المباشر لإسرائيل اللقيطة، وهو ما حصل فعلا، حيث قامت حاملات طائراتها وقواعدها العسكرية بإسقاط العشرات من الصواريخ الإيرانية.
المهم أن إيران أبلغت الإدارة الأميركية مسبقا بعمليتها العسكرية، وبناءً على ذلك، قامت هي بإبلاغ حكومة نتنياهو ظهر أمس بها، وبالتالي العملية الإيرانية لا تستهدف توسيع دائرة الحرب، وإنما أرادتها عملية عسكرية محدودة، وفق بيان الحرس الثوري أثناء قصف الصواريخ مساء أمس، الذي جاء فيه، أنها سترد على الرد الإسرائيلي بعملية أقسى، في حال قام الجيش الإسرائيلي بالرد، وقصف المدن أو المواقع العسكرية بما فيها المفاعل النوويالإيراني.
ما يؤكد محدودية العملية العسكرية، كما جاء في البيان الصادر عن الحرس الثوري، أن عمليتها جاءت وفقا للقانون الدولي، الذي يسمح لها بالدفاع عن نفسها، وردا على اغتيال القادة السابق ذكرهم. كما أنها لم تستهدف أية تجمعات سكانية، ولا مواقع مدنية، بل جلها وفق المصادر الإسرائيلية استهدفت المواقع العسكرية والمستعمرات الإسرائيلية في دولة فلسطين المحتلة. حتى اعداد هذا المقال، لم يصدر بيان رسمي عن صناع القرار الإسرائيلي، رغم أن نتنياهو وأركان حربه من الكابينيت وعددا من الوزراء كانوا مجتمعين في مبنى محصن داخل إسرائيل.
نجم عن العملية النتائج الأولية التالية، أولا دخول سكان إسرائيل من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب بما في ذلك قطعان المستوطنين في الضفة الفلسطينية في الملاجئ المحصنة؛ ثانيا إغلاق المجال الجوي كليا، وتحويل الطائرات المدنية إلى مطارات الدول المجاورة وخاصة قبرص؛ ثالثا تم إصابة عدد من المواقع العسكرية ومطار رامون في النقب؛ رابعا إصدار نحو ألفي إنذار للإسرائيليين للبقاء في الملاجئ؛ خامسا استنفار قطاعات الجيش والشرطة بأعداد كبيرة في مختلف المدن والمستعمرات، خاصة بعد العملية الفدائية التي حصلت في شارع يافا تل أبيب، التي نجم عنها سقوط 8 قتلى إسرائيليين عشية عملية القصف الإيراني، خامسا توقف عملية الاقتحام البري للبنان. لا سيما أن قوات حزب الله أمس في فترة ما قبل الظهر أطلقت عددا من الصواريخ بعيدة المدى على تل أبيب، وأوقعت إصابات في أوساط الإسرائيليين.
وعليه من المبكر الحديث عن إمكانية توسيع دائرة الحرب الإقليمية، لأن إيران لا تريدها، ولا أركان حزب الله يريدونها، ولا دول الإقليم بطبيعة الحال يرغبون بها، لا بل يرفضونها. وإن كان هناك من يريدها فهو إسرائيل ونتنياهو شخصيا، الذي توعد بتغيير الشرق الأوسط لـ50 عاما قادمة، ومع ذلك لا يمكن الجزم بالذهاب بعيدا في استشراف التوسيع من عدمه حتى لحظة الكتابة، وبالتالي هذه قراءة أولية للتطور العاصف أمس، الذي جاء عشية الأعياد اليهودية، ومع اقتراب ذكرى عام على الإبادة الجماعية على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس العاصمة الفلسطينية.