
أهداف الحرب ومن يحددها؟
بقلم: باسم برهوم
أحد أهم التعريفات ذكاء ودقة للحرب هو الذي وضعه المفكر الألماني كلاوزفايتز. بانها ” الاستمرار بالسياسة بوسائل أخرى “، ويقصد بالعنف واستخدام الجيوش، وهناك تعريف آخر، بأن الحرب هي الوسيلة القسرية للدولة لتحقيق اهدافها، في الحرب الجارية في الشرق الأوسط هناك ثلاثة أطراف لها اهداف، او باستطاعتها تحتيد وإملاء اهداف في هذه الحرب وبتفاوت القوة التكتيكية والاستراتيجية لكل منها، وهذه الأطراف بالتسلسل هي الولايات المتحدة الأميركية، القوة الأعظم في العالم، وهناك إسرائيل وإيران كقوتين إقليميتين، اما الأطراف الثانوية، والمقصود حماس وحزب الله. فاهدافهما بقدر حجمهما ومصالحهما المحصورة بهما وسيتم التطرق لها لاحقا.
للنظر اولا لاهداف واشنطن، وهنا لا بد من الإشارة ان الولايات المتحدة، وما لديها من قوة وقدرة لا يملكها احد غيرها، غالبا من تعمل على الاستفادة من اي حدث في العالم بما يخدم مصالحها، في الحرب الراهنة في الشرق الأوسط وبالرغم من انحيازها ودعمها المطلق لإسرائيل، فإن الطرف المقابل والمقصود إيران لا غنى له عنالولايات المتحدة، بل هي في أمس الحاجة لها وترغب بكل جوارحها ان تقبل واشنطن بالتعاون معها في المجالات المختلفة، فهدف الولايات المتحدة، وإلى جانب انها، ضابط إيقاع الاحداث في المنطقة، وهو ما ثبت بالوجه القاطع عبر الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة، فانها تهدف إلى استعاب إيران عبر عصا الضغط العسكري الإسرائيلي المباشر عليها وعلى امتداداتها في المنطقة، وجزرة رفع بعض العقوبات الاقتصادية عنيها. الولايات المتحدة تدرك ان احتواء إيران هو هدف دسم لمصالحها في الشرق الأوسط وامتداد لآسيا الوسطى وحتى شمالا مع روسيا، وواشنطن تقوم بصياغة نهايات الحرب لتحقيق هذا الهدف، اقلها إدارة بايدن منتهية الولاية.
ومن وجهة نظر واشنطن فإن لإيران أهمية اما في الحفاظ على النظام الدولي الراهن، او عندما يحين الوقت لصياغة نظام دولي جديد بناء على موازين قوى مختلفة، فإذا كانت الحرب تدور في الشرق الأوسط، فان للولايات المتحدة اهدافا اوسع وابعد مدى، وهي على ما يبدو حققت بعضها من خلال جعل طهران تعتمد على التدخل الاميركي للجم إسرائيل والحصول على ضمانات من واشنطن بعدم استهداف منشآتها النوويةوالنفطية، وعدم قسم ظهرها تماما في المنطقة، وبغض النظر ان الحرب لم تنته بعد، بمعنى ان اهدافها لم تصل إلى نهايتها، ولكن واشنطن ضمنت حتى الآن انها هي الطرف الذي يمسك بكل أوراق اللعبة وهذا سيمنحها فرصة كبيرة لتحقيق قسم كبير من اهدافها الاستراتيجية.
بالنسبة لإسرائيل، فاهم اهدافها هو استعادة قوة الردع من جهة، ونزع قطاع غزة من النفوذ الايراني. وابعاد حزب الله عن الجنوب اللبناتي. والهدف الاكثر اتساعا هو اضعاف النفوذ الايراني بشكل عام، عبر اضعاف اذرعها، بالاضافة إلى تعبيد الطريق امام موقع اقوى في التطبيع القادم، بالنسبة إلى الردع فقد إستعادة تل أبيب قوتها عبر تدمير قطاع غزة وحرب الابادة التي راح ضحيتها اكثر من 150 الف فلسطيني بين شهيد وجريح، كما استعادتها عبر استهداف قيادات حزب الله، والاختراق الامني الكبير للحزب وكل المنظومة الإيرانية. إلا أن قوة الردع هذه تواجه نقطة ضعف من خلال استمرار المقاومة في جنوب لبنان تحديدا.
وتأتي اهداف إيران. وفي مقدمتها، الهدف المباشر والأهم هو الحفاظ على بقاء النظام السياسي. وما دامت العلاقة مع واشنطن تضمن ذلك، فهي بذلك تحقق هذاالهدف. اما الهدف الثاني، هو ان لا تجرد إيران كليا من ورقة السلاح النووي، ولا يتقلص نفوذها الى درجة حاسمة في المنطقة. ولتحقق ذلك هي تحتاج إلى واشنطن.
الأطراف الثلاثة تمتلك اهدافا ذات بعد استراتيجي، ومن خلال الحرب كل طرف يضغط من اجل تحقيق أهدافه. او جزءا منها، فالحرب في نهاية الأمر ستتوقف وتنتقل الى مرحلة الصفقات السياسية، وهي لن تتوقف وفيها نصر كامل مئة بالمئة. او بهزيمة ساحقة لأي من هذه الأطراف، وكل منهم يحقق اهدافه بقدر نتائج فعله خلال الحرب، سواء مباشرة او عبر الحلفاء. اما بما يتعلق بالقوى الثانوية، وبالرغم انها هي المنخرطة بالحرب مباشرة، فإن اهدافها تبقى بقدر حجمها. وان كانت كل من حماس وحزب الله يجمعهما هدف البقاء في المستقبل، فان لحماس اهدافها الخاصة، ولحزب الله اهدافه، فهذا الاخير مرتبط عضويا بالأهداف الإيرانية. وربما من اولويات الحزب تحقيق اهداف طهران، ومن ثم اهدافه هو في لبنان. وفي كل الاتجاهات فإن قوة حزب الله تقلصت كثيرا، وبالتالي فان قدرته لتحقيق الاهداف باتت محدودة وربما تقتصر على هدف الحفاظ على البقاء أملا بأن تتغير الظروففي المستقبل.
وبما يتعلق بحماس فقد بدأت تدرك ان لا مستقبل لها في اليوم التالي الا من خلال الخروج من تحت العباءة الإيرانية، والاقتراب من الصف العربي، لذلك بدأنا نسمع من حماس حديثا حول الدولة الفلسطينية وحل الدولتين، وبالتالي القبول بالحلول السياسية. واستبدال المقاومة المسلحة بالنضال السياسي. ومع ذلك وبما يتعلق بحماس فهي ترتبط اكثر باهداف جماعة الاخوان المسلمين، منها بأهداف طهران، لذلك من الممكن ان تنعطف باي اتجاه تريد، ولكن حزب الله فهو لا يمكن ان ينعطف عن طهران ما دام نظام الولي الفقيه مستمرا.