أقلام وأراء

الإنسان في معادلتهم سلعة وعدد !

بقلم: موفق مطر

الشعوب والأمم العريقة، العميقة جذورها في الزمان والمكان (التاريخ وجغرافيا أوطانها)   والحافظة لروح ثقافاتها الانسانية، لا تقوى على وجودها اعظم الزلازل والكوارث الطبيعية، ولا الحروب الدموية المدمرة، ذلك أنها تجسد اسطورة طائر العنقاء ( الفينيق ) الذي يجدد نفسه بنفسه مرارا وتكرارا، يعود للحياة من الرماد بعد احتراقه .. أما الشعوب التي تتعرض مرارا وتكرارا لعمليات اغتيال ممنهجة  ومبرمجة للوعي الفردي والجمعي، وتتكاثر فيها جماعات وتنظيمات وفئات تجهيلية ظلامية، وتتغلغل وتتسلل الى عقول افرادها، وتعمل بانتظام على تحريف وتزوير وتزييف الثقافة الوطنية الانسانية، وتسلط سيف الارهاب الديني والفكري على الآخر وقمعه مع التهديد الدائم بالتكفير والتخوين،  وقطع اسباب حياة من يخالفهم بطرق يعجز الشيطان عن ابتكارها، ويشتغلون بلا كلل على هذه الإرهاصات ( كاستراتيجية )، لتسهيل عملية استيلائهم على سدة الحكم ( السلطة في البلاد ) المدفوعة برغبات غرائزية ومادية، ومفاهيم فئوية، فيحسمونها باستخدام أدوات القتل وسفك الدماء بلا أدنى اعتبار لقيمة الانسان وكرامته وقداسة نفسه .. وبعد ذلك تضخ المفاهيم، كمعادلات لا يقبلها عاقل حتى لو كانت روحه ثمنا لعدم التسليم بها، أما الغاية والقصد النهائي من هذه العمليات الانقلابية في كل مسارات حياة الشعوب، فهي اخضاع الفرد المتميز في كل شريحة من شرائح المجتمع ، وإجباره على التجرد من لباسه الانساني، وتسليم عقله لهم طوعا، وكتم صوته حتى يذهب معه الى القبر ! أو تحت تهديد السلاح علنا، بدون كاتم صوت!

لقد طحن وفرم هؤلاء منطق المعادلات العلمية، وفلسفة القيم الأخلاقية الانسانية، وأعادوا تدويرها، ثم طرحوها للشارع بعد تفريغه من البدائل، وعملوا ومازالوا حتى اللحظة يعملون على فرضها كمعادلات، لا يكتفون بالكذب ووصفها بالوطنية، وإنما يصبغونها بطابع كوني، ويضربون امثالا للبرهان عليها، تعتبر في ميزان العقل والفكر والمعرفة اغتيالا للحقيقة، والوقائع المدونة المحفوظة في كتب التاريخ ووثائقه وشواهده الحية، فالنصر حسب معادلاتهم يساوي رقما غير محدد من الضحايا، فالأطفال والنساء والعجائز والشيوخ والشباب والكهول الأبرياء في حساباتهم  ومعادلاتهم، مجرد أرقام تدور كما نظام عدادات مصانع معلبات اللحوم، يضخمون هالة النصر المزيف أكثر وأكثر، حتى لو بلغ العداد خانة الملايين، وأفظع ما قد تسمعه تبشيرهم وأحاديثهم في فضاء الخديعة والتضليل عن:” النصر على العدو”! لكنهم في الجهة الأخرى من معادلتهم الشيطانية، يقرون بأن ” العدو المهزوم ” حسب ادعائهم – يرفع وتيرة حملة الإبادة الدموية المدمرة “بحق الشعب الأعزل” ويصرخون مطالبين بالحماية الدولية، وفي ظل ” فيضانات النصر الفضائية ” يضطر المرء العاقل لسؤال نفسه، كيف يطلب المنتصرون الفرصة لإنقاذ الغزاة وجيشهم المتهالك المهزوم؟!

قد يكتشف العقلاء قبل فوات الأوان تداعيات كارثة الارهاب الديني والفكري والنفسي، الذي سادت مفاهيمه حتى اصبحت علامة بارزة في بناء الفرد والجماعة، حتى حُذِفَتْ مرجعيات العقل والتعقل، والعلم والمعرفة،  والحكمة  والتبصر، والإدراك والتفكير، واستلبت الارادة وشوهت، في معادلة الانسان والحياة، لذلك لم يكن صعبا على من لا يعرفون معنى الاحاسيس والمشاعر، المتحجرة أحاسيسهم ومشاعرهم ، على تدليس الثقافة الإنسانية، ومعانيها النبيلة، واعتبار الانسان مجرد سلعة رخيصة، يستثمرون دماءه في سبيل مصالحهم  ويتكسبون، لكنهم عندما يفشلون، وينكشفون، يعتبرون خسارته تضحية في سبيل الله والوطن!.. فهل من عدوان على الانسان، ورسالات رب الناس، أفظع مما يفعلون؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى