نفاق بعض المثقفين الفلسطينيين بشأن إغلاق “الجزيرة”
بقلم: باسم برهوم
لا يمكن لعاقل أن يكون مع كبت الحريات، او مع إغلاق وسيلة إعلام او مؤسسة إعلامية، او توقيف صحافي او صاحب رأي او على خلفية سياسية، ولكن ليس من المسموح ان يكون هناك مقاول إعلامي لا شغل ولا عمل له سوى زرع الشقاق والانقسام في المجتمع الفلسطيني، وتبني طرف وتزيين صورته حتى لو كانت قبيحة، ويناصب العداء المتوحش والعدواني للطرف الآخر ويعمل على تدميره وإضعافه. وكل ما سبق قد يكون مقبولا، ولكن ان تكون نتيجة كل ذلك هي مساعدة إسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية، او ان يخدم الأمر محورا إقليميا بعينه على حساب دم الشعب الفلسطيني فهذا لا يدخل في مجال حرية الرأي والتعبير، انه تصرف عدواني، وما هو اعتداء يجب التصدي له، بكافة الوسائل.
قد يقال، ان التجربة قد اثبتت ان الجزيرة لا يمكن إسكاتها، وان عدوانيتها تمتلك من الامكانيات ما لا قبل لنا نحن الفلسطينيين على مواجهتها، وقد يكون من الصواب القول ان الإعلام يواجه بالإعلام، والرأي يواجه بالرأي، ولكن هذا الصحيح والصائب لا ينطبق علىالجزيرة. التي تزوّر الحقائق وتحرفها بما يناسب اجندات مشغليها، هي إعلام غير مهني وغير موضوعي انما هي شيء يشبه الوحش الذي ينهش في جسدك، فماذا يكون ردك عليه؟
الجزيرة ليست مؤسسة إعلامية، انما هي جزء من عمل ممنهج يشمل مراكز ابحاث ووسائل إعلام فرعية بالمئات، وشراء نخب وسياسيين وخبراء من عمل استخباري على إعلامي مهمته جزء من مهمة اكبر مكلف بها من دول كبرى. وإذا نظرنا إلى الساحة الفلسطينية، فإن الشيء الوحيد الذي لم يهيمن عليه الوحش المشار اليه هو القرار السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، لذلك هو يواصل العمل من اجل إما الهيمنة على القرار، او تدمير كل المبنى السياسي غير المستوعب لا بالعصا ولا بالجزرة.
في الساحة الفلسطينية هناك فصائل وشخصيات سياسية ونخبوية، واعلاميون، ومراكز بحث ودراسات في الوطن والخارج كلها تعمل بنسق واحد وتمول من نفس الجهة او الجهات، فالجزيرة هي رأس حربة لشبكة كبيرة تعمل معها وتدعمها لتحقيق الاهداف ذاتها، وهي شبكة خلفها مليارات الدولارات ومطبخ يديره خبراء من كل العالم، فإما ان ترضخ لها او انها تواصل نهش جسدك.
ما هو مطلوب من المثقفين الذين لم تهيمن عليهم أموال الجزيرة بعد، ان يكونوا اكثر نشاطا في كشف وإظهار ما تقوم به “الجزيرة” وأخواتها وإخوانها وكل من سقط في حبائلها، وان يجري التمييز بين حرية التعبير وما تقوم به الجزيرة منذ عقود.
لا شك ان حرية الرأي والتعبير هي امر مقدس ولا يجب المس به، وما على المثقفين سوى مراقبة سلوك السلطة الوطنية الفلسطينية في هذا المجال ولكن هذا الأمر لا يتعلق بالجزيرة، ولكي نوضح الأمر نطرح بعض الأسئلة: هل تستطيع الجزيرة انتقاد اي سياسة لتركيا مثلا؟ او لدول الخليج؟ ثم للنظر كيف كان دور الجزيرة في الدول العربية ابان ما سمي بالربيع العربي هل كانت بالفعل تبغي الحرية والديموقراطية ام دعم الإسلام السياسي ليهيمن على المشهد ويكسر موجة التغيير الحقيقية نحو الديموقراطيةالحقيقية؟
الواقع المشار اليه يؤكد ان الجزيرة بحاجة لجهد كبير، فالاغلاق وحده قد يكون غير كاف. لا بد من توعية الجمهور بخطر الجزيرة، ولماذا اقدمت السلطة الوطنية على الاغلاق، هناك حاجة لحديث اوسع واعمق عن مخاطر “الجزيرة” وملحقاتها من شخصيات ومراكز بحث وغيرها، فالحديث لا يجب ان يقتصر على قناة بعينهاوإنما شبكة ونهج ودلالات هذا النهج. المواجهة بالضرورة ان يسهم بها الإعلام الوطني والمثقفون الذين صمدوا في وجه المال السياسي والقوى والاحزاب، والمواجهة لن تنجح إذا اقتصرت على قرار الاغلاق، وقد يصبح هذا القرار لا حاجة له اذا كان المجتمع محصنا ومشاركا في القرار السياسي. وما يهمنا من كل ذلك ان نحافظ على وحدة الشعب الفلسطيني، وان نمنع تصفية القضية الفلسطينية.