
حماس أول الخارجين عن مقررات القمة العربية!
د. رمزي عودة
للأسف، لم تمض أيام على نجاح القمة العربية في اقتراح خطة عربية للرد على خطة التهجير، الا وقامت حركة حماس بالدخول في مسار مفاوضات منفرد مع الادارة الاميركية، نسفت فيه كل مقررات القمة العربية في القاهرة، والتي تضمنت توافقا عربيا على الخطة المصرية الفلسطينية لإعمار قطاع غزة، وتشكيل لجنة اسناد مجتمعي ترتبط بمرجعية السلطة الوطنية الفلسطينية، وتمكين الأجهزة الامنية الفلسطينية حتى يتم توليها إدارة شؤون القطاع.
وبرغم أن هذا التوافق العربي نجح بالتصدي لخطة التهجير التي اقترحها الرئيس الأميركي ترامب، والذي سرعان ما تخلى عنها في تصريحاته الصحفية قبل يومين مؤكدا أنه لا يرغب بتهجير الشعب الفلسطيني، الا أن المسار المنفرد الذي انتهجته حماس بالتفاوض مع مبعوث الرئيس الأميركي للرهائن آدم بوهلر جاء بمثابة تحد حقيقي لمخرجات القمة القمة العربية.
وبرغم تراجع الإدارة الأميركية عن هذه المحداثات المباشرة، الا أن المفاوضات غير المباشرة استمرت بين الطرفين من خلال المبعوث الأميركي للشرق الاوسط ستيف ويتكوف. لقد حدد ويتكوف في جولته التفاوضية الأولى في المنطقة مسارا لإنهاء القتال من خلال تطبيق عدة أسس، أهمها خروج قوات حماس من القطاع، وانهاء حكمها للقطاع، وتسليم المحتجزين الاسرائيليين دفعة واحدة، وذلك مقابل تسليم المساعدات للشعب الفلسطيني وانسحاب اسرائيل من القطاع مع وقف الأعمال العسكرية.
والغريب في الأمر أن مواقف حماس في هذه المفاوضات كانت خارجة ليس فقط عن مقررات القمة العربية، وإنما أيضا عن أهداف المشروع الوطني الفلسطيني، حيث أصرت الحركة على أنها لن تسمح للسلطة الوطنية ولا أي جهة كانت بحكم قطاع غزة، وأنها مستعدة لتوقيع هدنة طويلة الاجل لمدة لا تقل عن ثلاثين عاما تضمن فيها أمن إسرائيل، وتتحول بموجبها الى حزب سياسي يدعو الى السلام والتنمية والاستقرار. كما أنها طالبت الولايات المتحدة بمساعدتها في تشكيل دولة فلسطينية تحت حكمها في القطاع أو في أي جزء منه ( تقول التسريبات بأن الدولة المقترحة من قبل حماس هي دولة مصغرة تقع بين مدينة غزة وخان يونس!). وللأسف، فإن كل هذه المطالب لا تتوافق مع مقررات القمة العربية. بل إنها تعمل على إفشالها.
يبدو أن الفجوة كبيرة بين المطالب الأميركية ومطالب حركة حماس، مما حدا بويتكوف الذي شارك في مفاوضات الدوحة مؤخرا الى اقتراح خطة مؤقتة لاستمرار وقف إطلاق النار لعدة أسابيع مقابل تسليم المساعدات والافراج عن عدد محدود من المحتجزين الاسرائيليين الأحياء والأموات. بكلمات أخرى، فإن مسار ويتكوف الثاني يقترح هدنة مؤقتة مقابل المساعدات والأسرى فقط وليس حلا نهائيا للنزاع.
في الواقع، لم أستغرب موقف حماس هذا، بل إن آخر استطلاع رأي قامت به الحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد ستنشر نتائجه الرسمية اليوم الأحد، يشير الى أن حركة حماس لن تسهل تطبيق مقررات القمة العربية، ولن تسهل كذلك تمكين السلطة الوطنية صاحبة الشرعية في تولى الحكم وادارة قطاع غزة. والأسئلة التي تطرح نفسها في ظل هذا التعنت الحمساوي هي: هل تمسك حركة حماس بإدارة قطاع غزة يساوي في ثمنه استمرار حرب الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال لقطاع غزة؟ ولماذا تصر حركة حماس على استمرار حكمها للقطاع وهي التي أدخلت القطاع في خمس حروب لم تحقق منها سوى القتل والابادة والتدمير للشعب الفلسطيني؟ ألم يحن الوقت لهذه الحركة أن تراجع استراتيجياتها وتعترف بفشلها؟ ولماذا يتغنى قادة حماس بالوحدة الوطنية والمصالحة ويحملون حركة فتح المسؤولية عن فشل جهود المصالحة في الوقت الذي يذهبون فيه الى مفاوضات مباشرة مع الأميركيين تحت شعار لا سلطة وطنية في القطاع! وهل تتوقع حركة حماس إذا ما أصرت على موقفها هذا من الدول العربية المساهمة في إعادة إعمار قطاع غزة وتنفيذ مقررات القمة العربية في الوقت الذي أصرت فيه هذه الدول على موقفها الداعم لعودة السلطة الوطنية للقطاع ومشاركتها في جهود إعماره!
هذه الأسئلة وغيرها يجب أن يتم مناقشتها من قبل قيادة حماس، ومن ثم الخروج باستراتيجيات جديدة ومفيدة ليس لعناصرها وانما للشعب الفلسطيني. هذه القيادة الحمساوية التي تتناقض تصريحاتها وتختلف في رواييتها هي التي باركت مخرجات القمة العربية، ولكن للأسف هي أول من خرج عن هذه المقررات!