
أبعاد محور موراج
بقلم: عمر حلمي الغول
مع مطلع نيسان / أبريل الحالي (2025) وسع جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته العسكرية في قطاع غزة، وشمل 3 محاور في الشمال والجنوب والشرق، وكان رئيس الائتلاف الحاكم، بنيامين نتنياهو أعلن عن تفاصيل العمليات البرية التي ينفذها الجيش في القطاع، وصرح قائلا: ” نحن نسيطر على محور موراج، وسيكون هذا محور فيلادلفيا الإضافي.”، مع أن رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد، إيال زامير انتهج سياسة “الغموض العملياتي لضمان سلامة القوات،” دون الإعلان عن هدف العمليات التكتيكية والاستراتيجية لخطته العسكرية، رغم أنه كان بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023 صرح، وهو خارج مركز القرار العسكري، وقبل توليه مهامه كرئيس للأركان في 5 آذار / مارس الماضي، أن الضرورة الأمنية العسكرية تحتم السيطرة التامة على القطاع، وليس فقط على محور موراج بذريعة الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، وبالتالي ما أعلنه قبل أيام عن الغموض العملياتي، لم يكن مفاجئا لمن تتبع تصريحات زامير السابقة.
ومع ذلك، فإن الرقابة العسكرية كانت رفضت سابقا الكشف عن تفاصيل التحركات العسكرية في محور موراج، حسب صحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلية يوم الأربعاء في 2 أبريل الحالي، وهو ما أثار موجة من الاستياء والغضب داخل أوساط قادة الجيش بعد تصريح رئيس الوزراء نتنياهو، بيد أنها زوبعة في فنجان، لأن الأهداف التكتيكية والاستراتيجية للعمليات العسكرية مكشوفة وواضحة وضوح الشمس، لمن يعرف أهداف الائتلاف الفاشي الحاكم ورئيسه، والتي تتمثل في الآتي تكتيكيا: أولا التضحية بالرهائن الإسرائيليين، لأن القيادة السياسية ومنذ بدأت في أكتوبر 2023 الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، اعتبرت وفق تصريحات نتنياهو وسموتريتش وبن غفير وغيرهم بمثابة جزء من خسائر الحرب، وبالتالي لا قيمة لهم في أجندة تلك القيادة؛ ثانيا السيطرة على ما يسمى محور موراج يهدف لفصل محافظتي خان يونس ورفح عن بعضها لبعض، لإحكام السيطرة على محافظة رفح بما في ذلك معبر رفح البري الرابط بين الأراضي الفلسطينية والمصرية، وتهيئة العوامل الميدانية لإحداث اختراق لاحقا للحدود المصرية؛ ثالثا زيادة الضغط العسكري على الأرض وعلى الجماهير الفلسطينية وبقايا أذرع حماس لخلق فتنة فلسطينية داخلية، وتوسيع الهوة بينهما، وإشعال فتيل الحرب الأهلية الفلسطينية. لا سيما أن حركة حماس وقيادتها الميدانية ومن يدور في فلكها، يرفضون نزع الذرائع الإسرائيلية الأميركية، ويصرون على البقاء والسيطرة على القطاع حتى اللحظة الراهنة، رغم أنها أعلنت أكثر من مرة في تصريحات علنية، وأثناء مفاوضاتها مع آدم بولر عن استعدادها لتسليم أسلحتها، والتنحي عن المشهد السياسي والأمني مقابل السماح لقياداتها وكوادرها العسكرية الميدانية بالخروج بشكل آمن من القطاع؛ رابعا لتعميق أزمة المواطنين الفلسطينيين قامت منذ الثاني من آذار / مارس الماضي بفرض حصار كامل ومطبق على القطاع، ورفضت السماح بإدخال المساعدات الإنسانية بكافة مشتقاتها، وضاعفت من جنون عمليات الإبادة الجماعية عسكريا وتجويعا وحرمانا من الماء ونشر الأمراض والأوبئة، ومنذ فجر 18 مارس الماضي عمقت الإبادة في أوساط الجماهير وخاصة من الأطفال والنساء، وتوسيع هوة التناقض بين أبناء الشعب وحركة حماس، التي تواصل التعنت في مواقفها، مع أنها أبدت الاستعداد للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، الذريعة التي يتمسح ويتلطى خلفها نتنياهو وائتلافه لمواصلة الإبادة الجماعية.
وأما الأهداف الاستراتيجية فتتمثل في: أولا دفع الجماهير الفلسطينية للتهجير القسري، وتحقيق هدف التطهير العرقي الأوسع لهم من القطاع؛ ثانيا توسيع السيطرة العسكرية على الأرض من خلال فرض الحصار القاتل على المواطنين من الشمال إلى الجنوب والشرق، تمهيدا لإعادة الاستيطان الاستعماري في القطاع. لا سيما أن السيطرة على ما سمي محور موراج، كان سابقا مستعمرة إسرائيلية باسم “ميراج” تم تفكيكها في عام 2005 أثناء حكومة أريئيل شارون؛ ثالثا إخضاع القطاع للسيطرة التامة الإسرائيلية، ولكن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية لم تحسم حتى الآن الخيار الذي ستفرضه على القطاع، كونها أمام 3 خيارات، الأول السيطرة الكاملة، والثاني إقامة إدارة محلية من أبناء القطاع لإدارته، ومنع سيطرة حماس عليه، وفي ذات الوقت الحؤول دون عودة منظمة التحرير والدولة والحكومة الفلسطينية لتولي مهامها السياسية والقانونية وفق اتفاقات أوسلو، والثالث إعادة هندسة حركة حماس بعد تجريدها من السلاح، وابقاءها في المشهد بهدف فصل القطاع عن الضفة الفلسطينية كليا، مع بقاء القوات العسكرية في محوري فيلادلفيا موراج وفي المناطق العازلة التي تعمل على توسيعها حاليا في الشرق، وكذلك قضم أراض من شمال القطاع ودمجها بالمستعمرات المقامة على أراضي هربيا ودمرة وهوج وغيرها من القرى المحتلة عام 1948، وخلق نموذج من حكم ذاتي وفق المعايير الإسرائيلية، وتمرير التهجير “الطوعي” للمواطنين الفلسطينيين، ويبدو أن الأرجح هو خيار السيطرة العسكرية والأمنية الكاملة لتحقيق الأهداف الإسرائيلية على طريق تحقيق “النصر الكامل” رغم أن تكاليفه المالية والعسكرية باهظة الأثمان.
ولكن هل تنجح إسرائيل في تحقيق غاياتها وأهدافها؟ أجزم أنها كما فشلت على مدار العقود السابقة من الصراع الطويلة، ستفشل مجددا، لأن الشعب الفلسطيني سيواصل التجذر في الأرض، ولن يسمح بتمرير المخطط الاستعماري الإسرائيلي القديم الجديد، رغم أن الظروف الراهنة مغايرة لما سبقها. كما أن الأشقاء العرب وخاصة في مصر والأردن لن يسمحوا بالتهجير القسري للمواطنين الفلسطينيين، وكل أكاذيب حكومة الائتلاف بتحقيق إنجازات على هذا الصعيد، لا أساس لها من الصحة، وهي ادعاءات تهدف إلى تشجيع المواطنين الفلسطينيين. لكن مآلها الانكسار على صخرة الصمود الأسطوري الفلسطيني.