خطاب الضرورة الوطنية
بقلم: عمر حلمي الغول
أول أمس الجمعة الموافق 23 أيلول / سبتمبر الحالي ألقى الرئيس محمود عباس كلمته في الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة لمدة تقترب من 45 دقيقة، خاطب فيها زعماء ومندوبي الدول الأعضاء في المنبر الاممي، ووجه من خلاله رسائل شتى للشعب الفلسطيني، وللأمة العربية ولإسرائيل ولبريطانيا وأميركا والاتحاد الأوروبي وللامم المتحدة نفسها. وهناك رسائل جاءت بين السطور، ولكنها واضحة لمن يريد أن يقرأ.
وبداية لم تنطلِ على الرئيس لعبة لبيد وبايدن بإعلان كل منهما عن تبنيهما لخيار حل الدولتين، لأنهما لم يقصدا ما أعلناه امام الجمعية العامة. ولو كانا يعنيان الالتزام بخيار السلام، لأقرناه أولا، بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية؛ ثانيا، ولتمت الدعوة الفورية للمفاوضات لترسيم الحدود والتفاوض على الملفات الأخرى الاساسية ذات الصلة بالصراع؛ ثالثا، ولأوقف لبيد كل جرائم الحرب فورا، التي تنفذها سلطات الاستعمار وقوات الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقطعان المستعمرين. لكنَّ أيًّا منها لم يتم التطرق له، ليس هذا فحسب، انما أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية عن عدم الجاهزية للقاء مع الرئيس الفلسطيني، لان الظروف ليست ناضجة، ولم يحدد مفهومه لأي الدولتين يريد، وما هي حدودهما؟ وما هي معايير إسرائيل للجانب الأمني؟ وما هي وجهة نظره بشأن عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم التي شردوا منها عام النكبة 1948 وعام النكسة 1967؟ وكيف يفهم العلاقة مع ملف اسرى الحرية؟ وغيرها من الملفات الاساسية.
بالنتيجة حافظ الرئيس على منهجية خطابه، الذي حمله قبل الاستماع لكل من رئيس الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، ورئيس اميركا. وعقب في ختام كلمته على ما أشارا إليه بشأن حل الدولتين، مرحبا بما طرحاه، ودعاهما فورا للبدء بالمفاوضات. وبالتالي حافظ الرئيس على جوهر خطابه، الذي تضمن الآتي: أولا، لا وجود لشريك إسرائيلي لبناء صرح السلام؛ ثانيا، طالب المجتمع الدولي بالتعامل مع إسرائيل، كدولة ابرتهايد وتطهير عرقي، ودولة قائمة بالاستعمار؛ ثالثا، إسرائيل دولة إرهاب منظم، تمارس عمليات القتل اليومي لابناء الشعب الفلسطيني دون رقيب أو حسيب، كما فعلت مع الشهيدة الإعلامية، شيرين أبو عاقلة وغيرها من الشهداء؛ رابعا، تحدى واشنطن ان تحاكم قاتل شيرين أبو عاقلة من الإسرائيليين؛ خامسا، إسرائيل الاستعمارية تسن بشكل دوري القوانين العنصرية والاجرامية النافية والمتنكرة للحد الأدنى من الحقوق السياسية والقانونية الفلسطينية، وأيضا دون محاسبة من المجتمع الدولي، ومن دول الغرب الرأسمالي، التي تدعي انها حامية الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان؛ سادسا، رعت وسمحت بتشكيل منظمات إرهابية “شباب التلال” و”تدفيع الثمن” و”أمناء الهيكل” و”لاهافا” وغيرها من المنظمات الإرهابية، وطالب بتصنيفها كمنظمات إرهابية؛ سابعا، يفرض الاستعمار الإسرائيلي على طلاب وتلاميذ الشعب الفلسطيني مناهج تعليمية متناقضة مع المنهاج الفلسطيني، ومزورة للتاريخ وحقائق الصراع؛ ثامنا، ارتكبت إسرائيل اكثر من خمسين مجزرة ومذبحة ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وانا أؤكد انها تقترب من المائة مجزرة منذ العام 1948، وقبل وبعد ذلك؛ تاسعا، التأكيد على التوجه للمحاكم الدولية وفي طليعتها محكمة الجنائية الدولية لملاحقة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين على حد سواء؛ عاشرا، اكد على انتهاء وفشل مرحلة أوسلو، التي دفنتها إسرائيل، وضمنا اتفاقية باريس الاقتصادية، وكل الاتفاقات المبرمة بين منظمة التحرير وإسرائيل؛ حادي عشر، اكد على ان دولة الاستعمار الإسرائيلية لم تترك لنا مجالا للعمل المشترك، وأغلقت كافة الأبواب بجرائمها المتواصلة، وعليه سنعمل على إعادة نظر كلية في العلاقة معها بما يحمي المصالح الوطنية؛ اكد اننا ذاهبون الى ترجمة قرارات المجلسين الوطني والمركزي وفق الآلية، التي ترتئيها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؛ ثالث عشر طالب بتنفيذ القرارين الامميين 181 و194 ذات الصلة بالاعتراف بإسرائيل، وفي حال رفضت إسرائيل تنفيذهما يجب تعليق عضويتها في الأمم المتحدة؛ رابع عشر طالب الأمين العام للأمم المتحدة لوضع خطة دولية لانهاء الاستعمار الإسرائيلي لارض دولة فلسطين؛ خامس عشر طالب برفع مكانة دولة فلسطين لدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة أسوة بدول العالم؛ سادس عشر طالب بريطانيا وأميركا بتحمل مسؤولياتهما مع دول الغرب الرأسمالي عن وعد بلفور وصك الانتداب، والاعتراف بالجرم التاريخي تجاه فلسطين وشعبها، والاعتذار للشعب، والتعويض ؛ سابع عشر تحميل بريطانيا وأميركا إسرائيل المسؤولية عن الجرائم اللاحقة لاقامة دولة إسرائيل غير الشرعية، والاعتذار للشعب الفلسطيني؛ ثامن عشر دعا دول الاتحاد الأوروبي للاعتراف فورا بدولة فلسطين، ودعم عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة؛ تاسع عشر اكد على ان أسرى الحرية امانة في اعناقنا، واكد ان الفجر آت؛ عشرون دعا المجتمع الدولي لتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
وهناك نقاط أخرى قد أكون غفلت عنها، لذا أعتقد ان الخطاب بما تضمنه يمثل خطاب الضرورة الوطنية، ويعكس لحظة انعطاف في مسيرة الكفاح التحرري الوطني لتكريس السيادة على الأرض الفلسطينية، من خلال التعامل بندية كاملة مع دولة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون. وقادم الأيام كفيل بوضع الجواب على كل النقاط المطروحة. لا سيما واننا أمام لحظة مفصلية من تاريخ الشعب والقضية والاهداف الوطنية والنظام السياسي الفلسطيني، الامر الذي يحتم علينا جميعا تحمل مسؤولياتنا تجاه حقوقنا ومصالحنا الوطنية، فإما أن نكون أو لا نكون.