التضامن العالمي المنقوص
بقلم: عمر حلمي الغول
جاء إقرار يوم للتضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت القرار 40 B/32 بتاريخ الثاني من كانون الأول/ ديسمبر 1977، بعد ثلاثين عاما من تبني قرار التقسيم الدولي لفلسطين تحت الرقم 181 (2 D) في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، وبعد مضي ثلاثة عقود كاملة على نكبة الشعب الفلسطيني، وتشريد وتهجير ما يقارب المليون نسمة من أبنائه في مشارق ومغارب الأرض، وبعد أن اكتووا بنيران الجوع والفقر والفاقة، وحر الصيف وبرد الشتاء، وتغييب متعمد لحقوقهم السياسية والقانونية من قبل قوى الغرب الرأسمالي صانع ومؤسس دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، وقاعدة الحركة الصهيونية على أنقاض أصحاب الأرض والوطن الفلسطيني، باعتباره خطوة متقدمة للأمام في الإقرار بحقوق الشعب السياسية.
ولم يأت هذا القرار بموافقة الولايات المتحدة وأقرانها من الدول الأوروبية، إنما نتاج زيادة الحضور والعضوية لدول العالم الثالث في هيئة الأمم المتحدة، وبدعم من دول منظومة الدول الاشتراكية قبل اندثارها مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وطبعا بمساندة الدول العربية الشقيقة، وبفعل تعاظم وصعود الكفاح الوطني التحرري للثورة الفلسطينية المعاصرة، وبعد اعتراف مؤتمر القمة العربية في الرباط عام 1974 بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
كان التصويت لصالح القرار، وتحديده يوم 29 من تشرين الثاني/ نوفمبر 1977، يوما للتضامن العالمي مع فلسطين وشعبها، في ذكرى قرار التقسيم 181، خطوة بالاتجاه الصحيح، وإقرارا من الجمعية العامة للأمم المتحدة بضرورة تصويب الخطأ التاريخي، المتمثل في عدم قيام واستقلال الدولة الفلسطينية العربية الى جانب الدولة الإسرائيلية غير الشرعية.
ولكن منذ تم التصويت على القرار قبل45 عاما من الآن لم يتم إصلاح الخطيئة التاريخية، صانعة النكبة المدمرة في العام 1948، وما تلاها من هزيمة حزيران/ يونيو 1967، التي تمخضت عن احتلال كامل فلسطين التاريخية وشمال سيناء المصرية والجولان السورية إلا معنويا. ورغم انخراط الشعب الفلسطيني في مؤتمر مدريد عام 1991، ثم في التوقيع على اتفاقيات أوسلو 1993 في البيت الأبيض الأميركي، وتبني المجتمع الدولي لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، إلا أن شيئا من ذلك لم ينجز، ولم تتحرك العجلة الدولية سنتيمترا واحدا. لا بل تراجعت للخلف عشرات ومئات الأميال، الإنتاج تعاظم وزيادة الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي، وسن القرارات والقوانين العنصرية الصهيونية، ومن أبرزها قانون النكبة، وقانون “القومية الأساس للدولة اليهودية”، وقانون رفض لم الشمل، وغيرها من القوانين المتناقضة مع ركائز السلام وحل الدولتين وعودة اللاجئين لديارهم وفق القرار 194.
ولم يتوقف الاستعصاء وتعطيل قرارات الشرعية الدولية وأبرزها قرار مجلس الأمن الدولي 2334 الصادر في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2016 على دولة المشروع المزدوج الصهيوني الغربي الرأسمالي الاستعمارية، وإنما على دول الغرب عموما والإدارات الأميركية المتعاقبة، التي عطلت وتعطل ركائز عملية السلام، حتى أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أسقط ما تبقى من الحقوق الوطنية الفلسطينية من خلال إقرار صفقته .ورغم موافقة قيادة منظمة التحرير على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، الذي لا يتجاوز الـ50% من قرار التقسيم الدولي، والذي لا يزيد عن 1/4 (ربع) مساحة فلسطين التاريخية، إلا أن تلك الدول المتنفذة والمقررة حتى الآن في القرار الدولي داخل هيئة الأمم المتحدة تحول دون تنفيذ القرارات ذات الصلة بعملية السلام، ليس هذا فحسب، إنما تغطي كل جرائم الحرب الإسرائيلية، وتدعمها بالمال والسلاح والمهاجرين وبالقوانين وفي المنابر الأممية والإقليمية، وتملي إرادتها على الأنظمة الموالية والتابعة لها على الاعتراف المجاني بإسرائيل، وعلى حساب الحقوق الوطنية والقومية الفلسطينية والعربية. وترفض حتى الآن الاعتراف بدولة فلسطين، رغم إقرارها بقرار التقسيم الدولي 181، ومع أنها تدعي دعمها لخيار حل الدولتين. لكنها في الواقع تتنكر لكل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
نعم، قرار التضامن العالمي مع الشعب العربي الفلسطيني شكل صحوة أممية متأخرة. لكنها خطوة هامة، آن الأوان للمنظومة العالمية الاندفاع لترجمة وتنفيذ قرار التقسيم الدولي 181 ولو بعد 75 عاما من إقراره، ودعم التوجه الفلسطيني برفع مكانة فلسطين لدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وتأمين الحماية الدولية فورا له. لا سيما وأن الفاشية الإسرائيلية الجديدة القديمة باتت تمسك بقرون دولة التطهير العرقي الإجلائية الإحلالية الإسرائيلية، والقادم من مذابح ومجازر من قبل العصابات الصهيونية ضد أبناء الشعب الفلسطيني يضع العالم كله أمام مسؤولياته التاريخية لوقف الانفلات الفاشي من عقاله، وفرض العقوبات السياسية والاقتصادية والعسكرية على إسرائيل دون تردد لإلزامها باستحقاقات السلام الممكن والمقبول، وإلا فإن العواقب القادمة لن تكون حميدة نهائيا.