أقلام وأراء

مفارقات إسرائيلية

بقلم: عمر الغول

الأزمة الإسرائيلية العميقة التي تشهدها إسرائيل من بداية العام الحالي (2023) مع عودة نتنياهو على رأس حكومته السادسة تؤكد أن الدولة تعيش جملة من المفارقات، رغم أن سيرورة الأحداث تتجه نحو مآلات لا تحمد عقباها. لأن الصراع المتفاقم بين الموالاة والمعارضة لا يتوقف على طبيعة النظام السياسي الحاكم إن كان علمانيا أم لاهوتيا، وإنما توسع بحيث بات يتعلق بخلفية من يحكم، إن كان من الأشكناز أم السفارديم، وحتى حول مكانة وخلفية الشخصية الحاكمة. فضلا عن الأزمة القانونية القضائية المتعلقة بسيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وليس فقط الحد من دور ومكانة المحكمة العليا. وبالأحرى هي أزمة باتت تطال كل مكونات المجتمع والدولة العميقة الإسرائيلية.

ومن بين المفارقات التي تشهدها إسرائيل، وتؤكد الطابع الفاشي المنفلت من عقاله لمكونات حكومة الترويكا: نتنياهو، سموتريتش وبن غفير، وقع (50) وزيرا وعضو كنيست من الائتلاف الحاكم، منهم (9) وزراء و(41) عضو كنيست على عريضة، طالبوا فيها وزير الحرب غالانت بإلغاء الاعتقال الإداري للأربعة الصهاينة الذين شارك اثنان منهم بإحراق بلدة حوارة الفلسطينية. رد عليهم وزير الجيش، بأنه يجب “الثقة بتوصيات جهاز الشاباك الإسرائيلي.” وفق ما ذكرت صحيفة “هآرتس” أمس الأول الثلاثاء (14/3 الحالي).

ولنلاحظ أن الوزير ليس ضد الإفراج عنهم، ولكن حتى لا يشكك في تقارير الشاباك، لم يستجب لمطالبهم. والأهم هو مطالبة الـ 50 شخصية تنفيذية وتشريعية بإطلاق يد زعران الفاشية لتستبيح الدم والأرض والمصالح الفلسطينية العربية.

بالمقابل وقع 1000 أديب وأكاديمي وفنان إسرائيلي أمس الأول الثلاثاء، على رسالة وجهوها إلى سفيري كل من ألمانيا وبريطانيا في إسرائيل، طالبوا فيها بضرورة أن ترفض بلداهما استقبال رئيس الوزراء نتنياهو (الذي توجه أمس فعلا لألمانيا، وبعد أسبوع إلى بريطانيا) وفق صحيفة “جيروزاليم بوست”.

وجاء في الرسالة أن “دولة إسرائيل موجودة الآن في أزمة شديدة للغاية، وهي الأخطر في تاريخها، وفي إجراء متسارع وخطير لتحويلها من ديمقراطية.. إلى دكتاتورية يحكمها رجال دين. وأضافت الرسالة بعد عرض الأخطار التي تتهدد إسرائيل نتاج انقضاض الحكومة على القضاء، أن “ألمانيا وبريطانيا أثبتتا طوال سني وجود إسرائيل، دعمهما لإسرائيل وتثبيتها كوطن ديمقراطي لليهود، وصوتهما الآن ضروري لنا اليوم أكثر من الماضي”. وخلصت الرسالة إلى “أننا نطالب ألمانيا وبريطانيا بأن تبلغا المتهم نتنياهو بإلغاء فوري لزيارتيه السياسيتين المقررتين لديكما. وإذا جرت الزيارتان فإن ظلا ثقيلا يخيم فوقهما.”

ومن بين الموقعين على الرسالة الأديبان الإسرائيليان دافيد غروسمان ونوريت زراحي، ومخرجون ونحاتون وأكاديميون فازوا بجوائز إسرائيلية هامة بينها “جائزة إسرائيل”. 

وكان أكثر من 600 موسيقي إسرائيلي قد وقعوا في كانون الثاني/ يناير الماضي على عريضة بعنوان “موسيقيين من أجل الديمقراطية”، عبروا فيها عن دعمهم لهيئة البث الإسرائيلية “كان”، وضد تهديدات وزير الاتصالات شلومو كرعي، الذي طالب بتفكيك الهيئة. ولم تختلف رسالة الموسيقيين في الجوهر عن رسالة الأدباء والفنانين والأكاديميين.  

وفي سياق الصراع بين الموالاة والمعارضة، وأثره على أتباع الديانة اليهودية في العالم، تظاهر قبل 3 أيام مئات من اليهود في نيويورك أمام الفندق الذي نزل فيه وزير المالية النازي، سموتريتش، وطالبوا بترحيله، وهتفوا ضده وضد الحكومة الفاشية، ونادوا بحرية فلسطين. كما أن الصندوق القومي اليهودي سحب رعايته لمؤتمر يعقده الوزير في وزارة الحرب، زعيم الصهيونية الدينية ذاته في العاصمة الفرنسية، باريس، التي يصلها الأسبوع المقبل. وكانت الحكومة الفرنسية أسوة بأركان الإدارة الأميركية أعلنت رفضها إجراء أية مقابلات رسمية مع سموتريتش، ردا على تصريحاته التي طالب فيها بمحو وإبادة بلدة حوارة الفلسطينية.

في هذا الخضم المتأجج من الصراع بين مكونات المجتمع الصهيوني، والأزمة العميقة والأخطر على مستقبله، التي تعيشها الدولة الإسرائيلية يخرج وليد طه، عضو الكنيست عن القائمة الموحدة “راعم” التي يتزعمها منصور عباس الإخواني أمس الأول الثلاثاء (14/3 الحالي) ليؤكد مجددا أن كتلته “لا تستبعد الانضمام لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية “مكان”.  وقال طه “لدينا الشجاعة لدراسة إمكانية الانضمام لحكومة نتنياهو في حال تفكك ائتلافه الحكومي مع زعيمي حزبي الصهيونية الدينية، سموتريتش، والقوة اليهودية بزعامة بن غفير.

وكما هو معلوم، فإن الحركة الإسلامية الجنوبية (الإخوان المسلمين) بزعامة منصور عباس، كانت الكتلة البرلمانية الفلسطينية التي شاركت في ائتلاف حكومة بينيت/ لبيد/ غانتس عام 2021. وهي بتصريح عضو مكتبها السياسي وليد طه، تؤكد استعدادها مجددا لإنقاذ نتنياهو من أزمته، وإنقاذ الدولة الآيلة للسقوط من أخطر أزمة في تاريخها. وكأن الأزمة انتقلت من شخص نتنياهو إلى شخوص سموتريتش وبن غفير، والحقيقة ليست كذلك، إنما هي أزمة دولة المشروع الصهيوني. والنتيجة الهامة التي يؤكدها طه في تصريحه، أن جماعة الإخوان المسلمين وجدت لإنقاذ دولة التطهير العرقي في فلسطين.

وما طرحه وليد طه ليس تكتيكا، إنما هو خيار إستراتيجي في سياسات جماعة الإخوان المسلمين الجنوبية بزعامة منصور عباس. الأمر الذي يفرض على أبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل التصدي لهكذا خطوة للحؤول دون الإقدام عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى