أقلام وأراء

الرئيس اللاجئ

بقلم: د. رمزي عودة

أقام الرئيس محمود عباس إفطارًا رمضانيًا دعا إليه مجموعة كبيرة من شرائح المجتمع السياسي والأهلي الفلسطيني، إضافة إلى عدد من السفراء والأكاديميين والإعلاميين. وألقى بعد الإفطار خطابًا جامعًا روحه حق العودة وعنوانه التمسك بالثوابت الوطنية.

أُفعم الخطاب بحس اللجوء، والتمسك بالثوابت الوطنية وعلى رأسها حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها بفعل الإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في حرب النكبة. وفي معظم أجزاء الخطاب، تكررت دعوة الرئيس إلى تنفيذ قراري التقسيم رقم 181 وقرار العودة رقم 194، وكرّر في حديثة أكثر من 50 مرة مفردات لها علاقة باللجوء والعودة والتهجير والنكبة. ليس هذا فقط، ولكنه حمل مسؤولية النكبة إلى الدول الغربية التي عززت مفهوم الوطن القومي لليهود في فلسطين. وأجبرت اليهود في العالم لكي يقيموا هذا الوطن في فلسطين من أجل التخلص من مشاكلهم أولاً، ومن أجل الاعتماد عليهم في الحفاظ على مصالحهم الاستعمارية في المنطقة ثانياً. الإضافة المهمة في حديث الرئيس هي تحليل الأدلة التاريخية التي تشير إلى عدم قناعة الغالبية اليهودية بإنشاء الوطن القومي لهم في فلسطين وتفضيلهم البقاء في البلدان الغربية. وهذا يتفق تماماً مع ما ذهب إليه “إيلان بابيه” في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين” بأن الصهيونية هي حركة الأقلية اليهودية.

أشار الرئيس إلى أهمية إحياء الذكرى 77 للنكبة في مختلف أنحاء العالم بما فيها أروقة الأمم المتحدة، التي سيذهب إليها هذا العام بنفسه من أجل إحياء الذكرى ومطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه الشعب الفلسطيني، وعلى رأس هذه المسؤوليات الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.

الرئيس أشار بشكل واضح إلى أن فلسطين التاريخية هي الوطن القومي والتاريخي للشعب الفلسطيني، إنها وطن الفلسطينيين العرب الكنعانيين، وإن الصهاينة مجموعة من العصابات التي اغتصبت الأرض الفلسطينية وشردت الإنسان.

اللجوء في خطاب الرئيس ليس موقفًا سياسيًا فقط، وإنما هو موقف شخصي مر به الرئيس وعائلته وأهل مدينته صفد وهم ينزحون خارج مدينتهم في حرب 1948 بفعل الإبادة الجماعية التي قامت بها العصابات الصهيونية. ولهذا نستشعر حجم المعاناة والحزن والمرارة في كلماته وهو يتحدث عن القرى والمدن الفلسطينية التي دُمرت في النكبة وعددها تجاوز الـ 530 قرية ومدينة. في الواقع، لقد جسد الرئيس في كلمته معنى ومرارة اللجوء، وثوابت اللاجئ الفلسطيني المتمسك بحقه في العودة والتعويض. وكل من سمع خطابه يدرك حجم المرارة هذه في كلماته وهو يتحدث عن شعب هُجّر من أرضه أمام أعين العالم. إنه يتحدث بلغة اللاجئ وبِنفَسه الذي لا ينقطع في النضال من أجل نيل حقوقه. وأكد الرئيس في خطابه للجميع أنه لن يتنازل أبداً عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، لأنه حق مقدس وثابت من الثوابت الفلسطينية كالدولة والقدس. في الحقيقة، هذه المواقف، وهذه الذاكرة التاريخية المفعمة في الخطاب ليست مستغربة عندما يكون الرئيس هو لاجئ. حينها لا بد أن يكون مفتاح العودة في قلبه ونهجه وعلمه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى