دراسات و وثائق

شهيد في ساحة عرس

قبل نحو ساعة ونصف من اختراق الرصاص الحي صدر عبد الجواد حمدان صالح، كان يقف إلى جانب أبناء عمومته وشباب قريته عارورة في صف “الدحية”، يشاركهم الفرح بعدما تناول مع الحضور مأدبة غداء، أقيمت لمناسبة زفاف ابن عمه مالك.

وصل خبر اقتحام قوات الاحتلال والمستوطنين، قرية أم صفا المجاورة شمال غرب رام الله، ليغادر عبد الجواد الفرح بهدوء، متوجها إلى هناك للمساعدة في صد العدوان مع أهلها، ليباغته جنود الاحتلال برصاصة أصابته بصدره، فنطق الشهادتين قبل أن يرتقي شهيدا.

هناك في قرية عارورة، كان الفرح في ذروته، قبل أن يتحول إلى مأساة، بعد وصول نبأ إصابة عبد الجواد (24 عاما)، فترك الناس دحيتهم وتوجهوا إلى المستشفى الاستشاري في مدينة رام الله، ليجدوه مضرجا بدمائه على السرير.

كان من المفترض أن يتوجه عبد الجواد مع عائلته ليلا إلى عرس آخر لقريبه إبراهيم، فحضرت والدته الثياب له ولأشقائه، حتى إذا ما عادوا من غداء مالك، توجهوا إلى قاعة الفرح، لكن إبراهيم ألغى كل التجهيزات، وأحضر عروسه إلى منزلها بصمت دون أية مراسم، وانطلق بعدها مسرعا إلى المستشفى، تقول وفاء العاروري إحدى قريبات الشهيد.

أقيمت مراسم تشييع مهيبة للشهيد عبد الجواد، أحاطت نسوة القرية والقرى المجاورة المتشحات بالسواد بوالدته، وشقيقته الوحيدة ليان، ومن ثم همسن بين بعضهن البعض يتحدثن عن “العجقة” التي أحدثها عبد الجواد في الفرح أمس، وبدأن بتناقل صور ومقاطع فيديو له وهو يصفق ويلوح برأسه يمينا ويسارا في وصلة “دبكة”، والضحكات تعلو وجهه، تعبيرا عن سعادته بفرح ابن عمه.

وكما تقول قريباتها، فإن أم عبد الجواد كانت تحب مشاركة أهل البلدة بكل مناسباتهم، قبل أن تصبح اليوم أما لشهيد كانت تحلم يوما برؤيته عريسا، يشاركها أهل بلدتها فرحها به.

ساد صمت ثقيل، قبل أن تهتز جدران المنزل بهتافات المشيعين وزغاريد النسوة ونحيبهن وبكائهن، لتترك أمه تغريد العاروري مكانها وتتجه نحو الباب، فاتحة يديها على اتساعهما وتقول بصوت طغى على صوت المشيعين “أهلا وسهلا يما يا عبد نورت الدار”، ومن ثم التفتت خلفها وخاطبت الباكيات بعصبية “لماذا تبكين هذا عريس زغردن للعريس.. أهلا وسهلا بالعريس”.

ودعت الأم والأقارب والأصدقاء عبد الجواد، ومن ثم انطلق المشيعون نحو مسجد عارورة ومنه إلى المقبرة، حيث ووري جثمانه الطاهر الثرى.

إلى جانب منزل عائلته، بنى عبد الجواد شقة له، وأثثها بجميع ما يلزم بعد عمل شاق في مهنة الحدادة، وبحسب ما أخبرتنا به قريبته وفاء، فإن الأم تقوم بتنظيف الشقة من حين لآخر، وفي عيد الأضحى الفائت، فتحت أبوابها أمام أصدقاء عبد الجواد، ووضعت لهم على الطاولة ما لذ وطاب من الحلويات، مخبرة إياهم عن أمنيتها بأن يأتي العيد المقبل ويستقبلهم عبد وزوجته بدلا عنها، ويكون لها حفيد.

هذه ليست أول حالة فقدان صعبة تعيشها العائلة، ففي العام 2015 فقدت طفلها حسان بمرض السرطان ولم يكن يتجاوز في حينه الـ(13 عاما)، ليدخل عبد الجواد بحالة حزن صعبة على شقيقه، دون أن يدرك أن مدة الفراق لن تكون طويلة حتى يلتحق به، ليبقى للعائلة ثلاثة أبناء: معاذ ومحمد ومحسن.

رفضت الأم ارتداء ثياب سوداء حدادا على نجلها وهي تودعه وداعه الأخير، واستعاضت عن ذلك بثوب مطرز بالأحمر، ولما دنونا منها وسألناها عن ذلك أجابت “عبد عريس واليوم زفته”.

نقلا عن وكالة الانباء الفلسطينية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى