من سيأخذ بيد “شهد” كأبيها ويحرر حق التعلم من “البزنس”؟!
بقلم: موفق مطر
لا بد من التذكير أولا بنموذج وطني فلسطيني جسد معنى حق التعلم للفلسطيني، إنها “مؤسسة محمود عباس” كدليل عملي على منهج الرئيس أبو مازن النظري والعملي بأن العلم كان وسيبقى السلاح الأقوى لدى الشعب الفلسطيني وحركة تحرره الوطنية، فهذه المؤسسة اللاربحية، التي تنادى لتأسيسها مع الرئيس الدكتور محمود عباس أصدقاؤه ورفاقه ومحبوه، لتطوير ركائز الفكر والعلم تغطي تكاليف الدراسة الجامعية للطلبة الفلسطينيين اللاجئين في الشتات، وفي المخيمات الفلسطينية على الأرض في لبنان، الراغبين بمتابعة دراستهم في الجامعات اللبنانية، لتمكينهم من مواجهة الصعوبات والتحديات فقدمت منحا دراسية لما يزيد عن 10 آلاف طالب منذ تأسيسها عام 2011، تخرج منهم (8600)… كما أن المؤسسة كانت قد أعلنت مطلع نيسان الماضي من هذا العام عن حصول 2000 طالب فلسطينيّ من مخيمات اللاجئين في لبنان على منح دراسية جزئية وكاملة في الجامعات المعتمدة لدى المؤسسة في شتى التخصّصات للعام الدراسيّ.. بعد إعلانها استكمال دفع أقساط الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي الحالي.
انتظرنا قيام مؤسسات أهلية مشابهة، يرفع أركانها أهل الخير والكرم الصامدون في الوطن، أو المنتمون حقا لوطنهم فلسطين، فيعملون على برنامج وطني مفصل ومدروس لتقديم منح لطلبة فلسطينيين يواجهون ظروفا مادية واجتماعية صعبة في الوطن، تعيق تطلعاتهم وآمالهم في الدراسة في تخصصات مميزة في الجامعات، ففي العام الماضي كتبنا بفكرة إنشاء جامعة مجانية للطلبة الفقراء، المتفوقين من الجنسين، من اليتامى وأصحاب الظروف الإنسانية والاجتماعية الخاصة، ونضيف هنا اليوم بأن تتحمل الجامعات القائمة تكاليف دراسة المؤهلين لدخول الاختصاصات في أقسامها التي تتطلب حصول الطالب على درجة الممتاز (معدل التسعينات)، أو تشكيل صندوق وطني خاص بتعليم أبناء هذه الشرائح من المجتمع، الذين أعجزتهم ظروف الحياة عن تأمين متطلبات الدراسة الجامعية، وتحديدا في مجالات مميزة مثل الطب البشري والهندسة، فالأمر لم يعد يحتمل ترك مئات الطلبة الناجحين بتفوق وامتياز من الجنسين – إن لم يكن الآلاف- في امتحانات الثانوية العامة يصارعون أعاصير وظلمات الاحباط واليأس على أمل بلوغ فسحة أمل تمكنهم من تحقيق طموحاتهم وأهدافهم الشخصية، التي نعتقد أنها بشكل أو بآخر عائدة حتما بالفائدة على الوطن.
قبل بضعة أيام اتصلت بي سيدة من دير البلح وسط قطاع غزة، وفيما صدى الأسى في نطقها يسبق حروف كلماتها لسمعي ووجداني، أخذت ترجو وساطتي الشخصية لدى جهات قادرة على مساعدة ابنتها (شهد إسماعيل) الناجحة في امتحانات الثانوية العامة لهذا العام (بمعدل 99 % ) لتأمين منحة لدراسة الطب في جامعة بمصر العربية، لانعدام قدرة عائلتها على الوفاء بالتزامات ومتطلبات تطلعات ابنتها (اليتيمة) لدراسة الطب، بعد وفاة والدها بمرض السرطان، وفعلا تواصلنا مع جهات نعتقد بإمكانية استجابتها وننتظر ردا من إحداها حتى اللحظة، بعد إرسال الوثائق الأساسية كشهادة ميلاد الطالبة وجواز سفرها وشهادة الثانوية العامة… ورغم ذلك وعبر الحياة الجديدة نقول للأغنياء الأثرياء بإنسانيتهم ووطنيتهم :”من لها، من سيأخذ بيدها ليكون أباها المعنوي؟”.
ليست الطالبة شهد إلا نموذجا لشريحة من الطلبة المتفوقين، الذين لا يملك ذووهم المال، أو يعيشون ظروفا مادية صعبة للغاية لا تمكنهم من وضع أقدامهم بأول خطوة على درب النجاح، ونيل الشهادات العلمية العليا، والتألق والإبداع النظري والعملي على أساساتها، لكن ابنتنا شهد –كغيرها من نظرائها في الشريحة – تعتقد أن المجتمع الفلسطيني (العائلة الأكبر) حيث لا يخيب ظن من يسند آماله على كبارها الكرماء، وعلى أغنيائها ليس بالمال وحسب، بل بالقيم والأخلاق والتعاضد والتكامل والتضامن والمحبة والوفاء لأنبل مطلب في حياة الإنسان (العلم).
كتبنا سابقا عن فكرة إنشاء جامعة للفقراء، وستظل رسالتنا مفتوحة إلى حين جلوس الدارسين على مدرجات قاعات هذه الجامعة، وسنبقى نطالب بإنشاء هذه الجامعة، لأننا إذا لم يتضامن الأغنياء الأثرياء بأموالهم، والأقوياء بإرادة وقرار الشعب المؤتمن عندهم، وإذا لم نعد جدولة حساباتنا وخططنا الاستراتيجية لبناء الإنسان في وطننا، ونوجه ما يلزم من المتطلبات المادية والمنهجية التربوية والتعليمية، ونرفع من جب الرفاهية، ونصب في بستان العلم والمعرفة، فإن يوما سيأتي علينا – لا سمح الله – وقد صنفنا التاريخ في خانة الأميين، لم نقرأ واقعنا بلغة الحب لإنسان الوطن، ولم نفكر بكيفية تنميته وتعزيز حضوره الإنساني، ليتمكن من الحفاظ على ديمومته ووجوده في وطنه…وستشهد (شهد) ومعها الآلاف مثلها من الجنسين على قصورنا وضعفنا وانعدام قدرتنا وإرادتنا، لنظم خطط مرحلية لتحرير مبدأ حق التعلم من قيود وشروط (البزنس).