التطبيع .. السعودية هي الحلقة الأقوى
بقلم: د. دلال صائب عريقات
يكثر الحديث حول صفقة قادمة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل بوساطة أمريكية. قبل البدء يجب ان نعترف ان موقف السعودية يختلف عن باقي الدول التي اتجهت نحو التطبيع والتي تعتبر الطريق للبيت الابيض يبدأ من القدس! موقف السعودية من القضية الفلسطينية واضح ولا لبس فيه، والسعودية أوضحت موقفها في الكثير من المناسبات، رغم ضجيج الإعلام الأمريكي والغربي بما يخالف ذلك استنادا للغة المصالح والسلاح في عالم نيوليبرالي براغماتي! السعودية ترفض التطبيع قبل تطبيق مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبد الله للسلام في الشرق الأوسط وقد تم الإعلان عنها في القمة العربية في بيروت عام 2002 وهدفها اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل مقابل إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين حسب قرار 194 وانسحاب اسرائيل من هضبة الجولان المحتلة، وقد نالت هذه المبادرة تأييد جميع الدول العربية والإسلامية بينما أهملتها دولة الاحتلال بعدم الرد.
يحاول نتنياهو وبقوة الترويج لاتفاقية تطبيع قريبة مع السعودية، فهذه استراتيجية بقاء له! حديثا اتخذت السعودية قرار تعيين سفير« غير مقيم » لدى السلطة الفلسطينية، يأتي تعيين السعودية السفير “نايف السديري” لدى دولة فلسطين، وقنصلاً عاما للمملكة في القدس كرسالة لإسرائيل تصبّ في صالح الفلسطينيين. رد وزير خارجية إسرائيل، إيلي كوهين: « لم ينسّقوا معنا، لن نسمح بفتح أي بعثة دبلوماسية، ما وراء الأمور في خلفيّة تقدّم المحادثات بين السعودية والإدارة الأمريكية هو أن السعوديين يريدون إيصال رسالة إلى الفلسطينيين، بأنهم لم ينسوهم, نحن لا نسمح للدّول بفتح قنصليات». تاريخياً كان هناك تمثيل سعودي مقيم في القدس عام ١٩٤٧ بتوجيه من الملك عبدالعزيز آل سعود، حيث تم افتتاح القنصلية العامة السعودية في حي الشيخ جراح. تعيين سفير فوق العادة اليوم لا يعني لرفعة مستوى العلاقات بل لعدم اقامته الفعلية، وهو تعبير عادي وطبيعي حسب اتفاقيات ڤينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 و 1963. في نص التعيين, استخدمت السعودية تعبير «مدينة القدس» وليس «القدس الشرقية» وهذا رد صريح على اعتبار الولايات المتحدة «مدينة القدس» وليس «القدس الغربية» عاصمة لإسرائيل. بهذه الخطوة توكد المملكة العربية السعودية أن «مدينة القدس» هي أرض لدولة فلسطين «حق السّيادة» عليها، وهي بذلك صاحبة الحق في اعتماد السفراء والقناصل فيها.
نتنياهو بحاجة ماسّة لهذا الاتفاق، ولكن على العالم ان يدرك ان نتنياهو لم يقدم ولم يثبت منذ توقيع “اتفاقيات ابراهام” اي شيء جذاب للسعودية على العكس تماماً؛ فقد احرج الدول التي طبعت كما ان اتفاق تشكيل الائتلاف الذي تم في 28 ديسمبر 2022 تعود للحديث عن أرض إسرائيل حيث الحقوق حصرية لليهود! “للشعب اليهودي حق حصري وغير قابل للتصرف في جميع أنحاء أرض إسرائيل”. اذا كان دستور هذه الحكومة يقوم عل تهويد الحرم الشريف وتأمين قبضة الشرطة عليه وتصعيد العنف ضد الفلسطينيين بتمكين إرهاب المستوطنين ومصادرة الاراضي وتخصيص ملايين للاستيطان والضم في المناطق المحتلة! ماذا تقدم حكومة نتنياهو لإغراء السعودية لركوب موج التطبيع، على العكس تماماً ليس من مصلحة المملكة ان تتخلى عن مبادرتها للسلام واضحة المعايير.
يدرك السعوديون جيدا ان الإسرائيليين لا يفكرون بسلام حقيقي، والا فان مبادرة السلام جاهزة منذ ٢٠ عاما. السعودية تريد الاستقرار والتنمية والسلام والتفوق في المنطقة، وذلك لن يتم إلا بحلّ القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وأن تُقام الدولة الفلسطينية حسب المبادرة العربية السعودية وأن تكون عاصمتها « القدس الشرقية » وما يعيق ذلك، هو الرفض الإسرائيلي، وتبني صفقات الاقتصاد مقابل السلام، هذا المنطق لن يأتي بحل سياسي.
في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، تقدم السعودية نفسها كقوة إقليمية وعالمية تقدمية. الموقف السعودي اليوم قوي جدا، آخذين بالاعتبار التطور في انفراج العلاقات التطبيعية مع ايران وسوريا في المنطقة, ومن جهة اخرى التطور في العلاقات الصينية السعودية وأخيرا تحالف البريكس حيث تنضم السعودية لمجموعة دول (الصين, روسيا, جنوب افريقيا, البرازيل, الهند) إضافة لانضمام الامارات ومصر واثيوبيا والأرجنتين وايران مع بداية ٢٠٢٤ وهذا يعتبر تطورا مهما جدا في ميزان تكافؤ القوى الدولي بعد عقود من نظام أحادي القطبية. تشير التحليلات ان هناك تقدما في المفاوضات، ولكن المطالب السعودية المتعلقة بالمفاعل النووي وتخصيب اليورانيوم والاتفاق الدفاعي مع الولايات المتحدة وهذا ما يتطلب موافقة الكونغرس, هذه الشروط التي تعيق الاتفاق وليس الملف الفلسطيني كما يعتقد البعض, الموقف السعودي واضح وقوي وتتبنى السعودية نهجا براغماتيا تقدميا في مفاوضاتها، بحيث تضمن أمنها وتفوقها في المنطقة من خلال هذا الاتفاق الذي قد ينقذ نتنياهو وبايدن، اذا ما تم.