طلال سلمان وجريدة السفير..الوفاء لفلسطين
بقلم: باسم برهوم
لو لم يكتب طلال سلمان سوى مقاله الشهير “الفلسطينيون جوهرة الشرق الأوسط” لكان كافيا وأكثر ليدخل قلب ووجدان كل فلسطيني، لم ينصف أحد الفلسطينيين بقدر ما أنصفهم طلال سلمان في مقاله هذا وفي كل مسيرته الصحافية كصاحب ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية. لذلك لن يكون غريبا أن يشعر كل فلسطيني بالحزن اليوم على رحيله، رحيل طلال سلمان أحد عمالقة الصحافة اللبنانية والعربية.
عندما أسس سلمان جريدة السفير عام 1974، كان السؤال هل تنجح هذه الجريدة بما فشل فيه كثيرون بمنافسة جريدة النهار ومدرستها العريقة الليبرالية الرزينة والمتوزانة والمهنية جدا. نعم وضعت السفير نفسها لتكون المنافسة القوية للنهار حتى تم إغلاقها في اليوم الأخير من عام 2016 لأسباب مالية. وعندما أسس سلمان السفير أعطاها من اللحظة الأولى هويتها العربية القومية، عندما اختار شعارها “جريدة العرب في لبنان وجريدة اللبنانيين في الوطن العربي” . وأصر أن تكون السفير صوت من لا صوت لهم، وهو الشعار الثاني ليؤكد على هويتها النضالية والاجتماعية.
لسنوات عديدة كانت السفير إلى جانب النهار خبزنا اليومي، عطر صباحاتنا في بيروت وبعدها في المنافي الأخرى، وكنا نقرأ في السبعينيات افتتاحية طلال سلمان اليومية تحت عنوان “على الطريق”، والعمود اليومي للعملاق الآخر ميشيل أبو جودة في النهار. من دون شك كانت الافتتاحيتان لسلمان وأبو جودة هما من تشكلان مرتكزات تحليلاتنا السياسية لذلك اليوم كل حسب منطلقاته. كل صباح كنا نقلب السفير ونقرأ لأهم الكتاب عصمت سيف الدولة. وسعد الله ونوس، ورفعت السعيد وبلال الحسن، وسليم الحص، وهاني فحص. وإميل بيطار، ومصطفى الحسيني وغيرهم، وعلى الصفحة الأخيرة من منا لم يتوقف كثيرا ويحلل كاريكاتير ناجي العلي. الذي كانت السفير وجريدة القبس الكويتية تتقاسمان نشره يوميا.
لقد حفر طلال سلمان وجريدة السفير في وعينا ووعي كل النخب العربية، وكانت هذه الجريدة توازن بإبداع بين ما هو وطني وما هو قومي، وبقيت إسرائيل والصهيونية هي العدو الواضح، وربما في هذا الجانب تفوقت على النهار، التي كانت لبنانية أكثر وليبرالية أكثر فكريا. لقد شكل سلمان والسفير مدرسة صحفية خاصة صنعت لنفسها وله هوية وحيزا واسعا في عالم
الصحافة العربية لها احترامها الكبير، لذلك كان الزعماء والسياسيون والمثقفون العرب لا يترددون لثانية عندما كان يتوجه لهم سلمان والسفير لإجراء حوار معهم، فالمنبر مهم وله قراؤه على امتداد الوطن العربي، كانت السفير أحد اهم مصادر المعلومات الدسمة والموثوقة على امتداد أكثر من ثلاثة عقود.
لم يكن سلمان نصير الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية في قلمه ومن خلال السفير وحسب. بل كان يقدم الدعم بمختلف السبل، وأذكر خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في صيف عام 1982، وبعد أن أحكم الجيش الإسرائيلي حصاره لبيروت الغربية، حيث قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وكوادرها ومؤسساتها، قدم سلمان مطبعة السفير لتقوم بطباعة جريدة “فلسطين الثورة”، الجريدة الناطقة باسم المنظمة، بعد أن قصف الطيران الإسرائيلي مطابعها في منطقة الفاكهاني في الأيام الأولى للحرب. والأهم أنه جعل من السفير ناطقة بحد ذاتها باسم المنظمة ولياسر عرفات شخصيا أثناء الحصار.
في مقاله الشهير “الفلسطينيون جوهرة الشرق الأوسط” أبدع سلمان في إنصاف الشعب الفلسطيني وإعطائه حقه، عندما كتب بأسلوبه الرائع عن دور اللاجئين الفلسطينيين في بناء الاقتصاد اللبناني وفي دول عربية متعددة أخرى. وليس في الاقتصاد فقط بل وفي التعليم والثقافة، مؤكدا أن الفلسطينيين كانوا نعمة وليس نقمة أينما حلوا.
مقالة طلال سلمان هذه جاءت ردا على الظلم والتعتيم والتنكر والنكران الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، والذي تمت معاملته من بعض الجهات بقسوة وكأنه عالة وليس إضافة إيجابية في نهضة الكثير من الدول العربية ومن بينها لبنان تحديدا.
رحل طلال سلمان فهذه سنة الحياة، لكنه سيبقى حيا في ذاكرة الشعب الفلسطيني. وفي ذاكرة كل النخب العربية، التي مد سلمان يده لهم وفتح صفحات السفير لمواقفهم وآرائهم، في وقت أغلقت فيه الكثير من الصحف أبوابها أمامهم.، وكانت بالفعل صوت من لا صوت لهم. رحل سلمان أحد الأقلام العربية الحرة. وحتى لو اختلف المرء معه في بعض المواقف، فما كان له إلا أن يعجب به وبقدراته وقدره…وداعا طلال سلمان ابن لبنان والعرب البار.