خيام “الأونروا” في خان يونس تعيد للذاكرة مشاهد النكبة
في مخيم اللاجئين الجديد الذي أنشأته “الأونروا” في خان يونس، جنوب غزة، يزاحم المواطنون على مترين من الأرض يصلحان لمكان خيمة، في مشهد يعيد للذاكرة مشاهد النكبة التي عاشها الشعب الفلسطيني عام 1948.
للتو وصلت امرأة من مدينة غزة مع بناتها الستة وطفل، وقفت بين خيمتين تحاول غرس أعواد خشبية تحضيرا لنصب شرشف وعمل خيمة يسترها لتكتشف أن المكان “محجوز” لشخص آخر وصل قبلها فذهبت تفتش عن متسع.
وقالت المرأة التي عز عليها أن تكشف عن اسمها: “إنها من سكان حي الرمال بغزة وهربت مع بناتها من القصف إلى مستشفى القدس في حي تل الهوى جنوب المدينة.
“تلقى المستشفى تهديدا بالقصف من قوات الاحتلال فلملمت أطفالي وجئت هنا مشيا زهاء 20 كم( لأنه لا مواصلات”، قالت أم إياد، مشددة أنها لن تقبل الخروج من قطاع غزة.
وحول خيار ترحيلها إلى سيناء قالت “لن نذهب إلى سيناء أو غيرها.”
وقال أحد المشرفين على المخيم إن عدد النازحين في المربع السكني زهاء 20 ألف لكن من هم داخل الخيام زهاء 2000 موزعين على 84 خيمة.
ويأوي المخيم نازحين من مختلف أنحاء قطاع غزة سيما محافظات شمال غزة أو مدينة غزة.
نسوة ينشرن غسيل الأطفال على حبل رُبط بين خيمتين وفتية وشبان لم يجدوا متسعا في الخيام فاستخدموا بطانيات وشراشف لعمل خيام خاصة بهم. امرأة تحمل وعاء فيه عدس لطبخه على نار أشعلها شاب “تطوعا” بعد أن جمع حطبا ليستخدمها المواطنون في طهي ما يلزم.
أطفال يستلقون في الخيام وآخرون يحملون قنينات فارغة بحثا عن تعبئتها بمياه تصلح للشرب أو لصناعة الحليب. طفل جلس يتقيأ بجانب عامود كهرباء وأخرى تسأل الصحفيين عن موعد انتهاء الحرب.
وقال وائل حمدونة إن طفلته ولدت قبل اقل من شهر وبحاجة إلى حليب خاص وهذا مفقود وإن وجد فهو بحاجة لمياه نظيفة وهي مفقودة.
“لم أتخيل في حياتي أن نترك بيتنا الجميل في بيت لاهيا والمزارع هناك ونأتي نعيش في خيمة.” قال حمدونة.
رجال أعمال وأطباء وعازفون ومهندسون وطلاب كثير منهم آثر أن لا يتحدث ولا تلتقط له صورة.
مركبات من أحدث طراز وأفخم الماركات تصطف على أطراف المخيم بجانب خيام بدائية يقف أصحابها بجانبها بحسرة وقهر كما قالوا.
رجل أعمال فضل عدم ذكر اسمه قال: إنه يتمتع بثروة كبيرة ويدرس أولاده وبناته في مدارس دولية خاصة ولديه تصريح رجال أعمال يخوله زيارة العديد من الأماكن.
“هذه حرب ضدنا نحن المدنين، قتلوا العائلات صغيرها وكبيرها، انها أشبه بقصف مدينة دريزدن في الحرب العالمية الثانية” قال رجل الأعمال وهو يستند على سيارته الفخمة.
الشابة أسماء عبيد من مدينة غزة، قالت: إن بلدها الأصلي هي المجدل عسقلان، ولن تقبل الهجرة مرة أخرى ولا لأي بلد.
وأشارت إلى أن ابواها هاجرا من المجدل عام 1948 وانتظرا العودة للمجدل وسكنا خيام الأونروا ثم ألواح الزينكو والأسبست وهم ينتظرون، والآن النكبة تتجدد معها، مشددة على أنها ترفض فكرة الانتقال لأي بلد غير فلسطين.
“نعلم أولادنا تفاصيل النكبة وحق العودة ونستخدم الصور ومسلسل (التغريبة الفلسطينية) للشرح، الآن يعيشون النكبة بأنفسهم،” قالت عبيد.
وأضافت أن أهم المعاناة هي قلة النظافة والماء النظيف والطعام والبرد ليلا ولا فراش ولا ملابس مناسبة. “هربنا بملابسنا فقط ولم نحمل شيئا.”
وكانت جوليت توما، الناطقة باسم الأونروا قد قالت لصحفيين في نيويورك: إن عدد النازحين في غزة يقدر بمليون نازح شخص منذ بدء التصعيد، منهم أكثر من 400 ألف يقيمون في منشآت الأونروا.
وتابعت: “إن غالبية النازحين انتقلوا إلى الجنوب، ولكن لا يزال هناك نازحون في المناطق الشمالية من القطاع”.
في إحدى زوايا المخيم تجمع عدد من النسوة يغطين وجوههن من حر الشمس وخجلا، ليتبين أنهن يقفن بانتظار دورهن لدخول حمام متنقل.
الطبيب محمد أبو ربا قال: إنها ليست المرة الأولى التي يدمر الاحتلال بيته، ففي عدوان 2014 دمر الاحتلال البرج الذي كان يقطن فيه والآن دمر بيته وبيوت الجيران مرة أخرى.
وأشار إلى أنه بالعادة يعيش حياة بعيدة عن أي مشاكل مع الاحتلال وله علاقات مع منظمات دولية وحقوقية وعلاقات دولية لكن كل هذا لا ينفع الآن.
“لا نريد مساعدات، فقط أوقفوا الحرب علينا، نحن مدنيون وليس لنا علاقة، نريد أن نعيش كباقي العالم فقط.” قال أبو ربا.
“كطبيب أتطوع لرعاية المواطنين هنا، المكان معرض لأمراض الكوليرا والجهاز الهضمي والأمراض الجلدية ومختلف أنواع العدوى وهذا مكان لا يصلح للبشر،” قال الطبيب.
وأشار إلى أن هناك مواطنون يعانون من أمراض مزمنة مثل القلب والكلى وبحاجة لرعاية خاصة وهي غير متوفرة. “هؤلاء الآن يموتون ببطء بسبب عدم توفر الرعاية الطبية”، قال الطبيب.
قرب بوابة المخيم يمشي علي سلامة الشرقاوي (77 عاما) من مواليد حي المنشية في يافا، قال: إنه لا يحب أن يجلس في خيمة. وقضى الشرقاوي حياته وحياة أبنائه في الحروب ولن يتنازل عن حق عودته إلى يافا حتى لو تنقل بين ألف مخيم.
وقال لمراسل “وفا” إنه حضر العدوان الثلاثي على مصر (1956) وحرب حزيران (1967) والانتفاضتين وأكثر من عدوان على غزة في 2008 و2012 و2014 وثلاثة بعدها لم ير مثل هذا العدوان.
“هذه حرب إبادة ضد المدنيين، ومهما فعلوا لن نرحل لا إلى سيناء ولا إلى غيرها، حقنا العودة إلى يافا وليس إلى سيناء”، قال الشرقاوي.
وترك المواطنون بيوتهم هربا من المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال بقصف منازل مأهولة ومخابز وأماكن لجوء راح ضحيتها زهاء 4500 شهيد 70% منهم نساء وأطفال ومسنين فيما أصيب زهاء 15 ألف مواطن بجروح، وعدد لا يزال تحت آلاف البيوت المدمرة بلا عدد.
وترددت أصوات في دولة الاحتلال تنادي بدحر سكان غزة الذين تجاوز عددهم مليونا مواطن إلى شبه جزيرة سينا الأمر الذي ترفضه الأوساط الرسمية والشعبية الفلسطينية والمصرية.
لم تتوقف العائلات عن الوصول للمخيم، منهم مشيا أو بمركبته أو على كارة يجرها حمار. منهم من يلقى متاعه ويتنقل بين الخيام بحثا عن متسع ومنهم يغادر بحثا عن مكان أقل سوءا.
على مدخل احدى الخيام تجلس امرأة عجوز وقد تورمت قدماها. قالت إنها مشت “مسافة طويلة” كي تصل هنا. وأشارت إلى أنها مرهقة وبحاجة لعلاجات خاصة.
“أحتاج دواء لمرض السكري ولضغط الدم وليس من اليسير الحصول عليها، والكارثة الكبرى أزمة الحمامات وشح الماء،” قالت أم هاني، كما عرفت عن نفسها.