الأسرى.. كُتَّابُ فصول لدستور الحرية
بقلم: موفق مطر
الحرية هي سر الحياة والخلود لروح الإنسان، والشاهد الأكبر على وجوده في مكان ما على وجه الأرض، فالإنسان حر، مخلوق من تراب الأرض، التي كل ما فيها حر خالص، ما لم يتدخل الشر لإفساد طبيعته، لذا كانت القاعدة المنطقية التالية: لا تكتمل حرية الإنسان إلا بحرية الأرض، ولا تتحرر الأرض إلا بإنسانها الحر، فالحرية التي هي نقيض الأسر الاستعباد هي الوطن المعنوي والوجه الحقيقي للوطن المادي كما يعرفه الفلاسفة، ومشرعو الدساتير والقوانين، لذا لا يحسب الإنسان الفلسطيني نفسه إلا أمينا على فلسفة الحياة بالحرية، وفيا لجذوره التاريخية والطبيعية على أرض وطنه المقدسة، سالكا الدروب، لا يقر لمستحيل، ولا يخضع لقوة الشر!
الحرية مقدسة كالنفس، لا يملك أحد حق جرحها أو إذلالها بالحجز أو أسرها، ويحسب مجرما بحق الإنسانية، كل ذي قلب متحجر، ومسكون بالشر والعنصرية عقله، المريض أبداً بداء العدائية والكراهية للآخر، والعمى الثقافي والسياسي!. كلامه منمق، لكنه معلب جاهز بلا دمغة تاريخ، أو صلاحية! مسير برغبة الاستعباد الشيطانية.
الحرية قدر الإنسان الذي يسبق صرخته الأولى في فضاء الحياة، لا تملك قوة في العالم رده، ما دامت منهجا للفكر، ملهما للعمل، وضابطا للسلوك، وهكذا يفهم المناضل معناها، ويصير عظيما بصبره على أحيائها، فالزنازين لا تقزمها، ولا القيود تكبلها، حتى براعمها تنمو رغم ظلام غرف الأشرار، وقسوة الظالمين! وهذا اعتقاد الأحرار المناضلين، وليس الأسير الفلسطيني إلا نموذجا لاستثناء المواءمة بين الحرية في الأسر، وتحويل الأسر إلى منبت أفكار ثورية، تتسرب كشعاع من نور وضياء من بين قضبان نوافذ الزنازين الفولاذية.
الأسير الفلسطيني تجربة إنسانية، كفاحية، نضالية، وكل منها فصل هام في دستور الحرية، يأخذه الباحثون عن الحرية مرجعا وثيقا، غني بصور انتصار الإرادة الإنسانية، دون تهويل، أو انحياز، ومنهجا لكل المدارس الشعبية، العاملة بإخلاص على تحقيق الحرية بالانتصار، وحقه علينا –كما يفعل المناضلون- منحها الأولوية في برامج حياتنا.. وبذلك نستجيب لنداء ضمائرنا الإنسانية الوطنية.. ولاعتقادنا أننا جميعا في معتقلات، ومعازل حتى لو كانت واسعة وكبيرة، أو رحبة!!. فنحن جميعا أسرى، ما دام الاحتلال يحوم فوق رؤوسنا، ويعد علينا خطواتنا، ويُعَلِّمُ مداها بكل أصناف السلاح، ويقتل ويبطش بلا تمييز ولا كلل.
الأسرى الأحرار يسطرون لنا تجاربهم كتابا، يُقْرَأ بلغة العقل الوطني الإنساني الحر، نتهيأ مع كل كلمة وجملة فيه، لردع الانكفاء والانكسار، والشقاق، والتشظي، ورفع روح المسؤولية إلى عنان السماء.. فيخر المستحيل، مستسلما لإرادة شعب لا يضل السبيل! فالحرية تنتزع، ولا تؤتى بالتمني!.
يحضرني في هذا المقام، قول حق ثابت، نطقه الرئيس أبو مازن باسم 14 مليون فلسطيني حر يوم قال : “لأن الشهداء هم أقدس ما لدينا، ولأن الجرحى أقدس ما لدينا، ولأن الأسرى أقدس ما لدينا، فلا يمكن أن نفرّط بهم، ولا يمكن أن نفرّط بعائلاتهم.. ولو بقي معنا قرش واحد سنقدمه لعائلاتهم” وهذا ما نعتقد أنه أصدق إعراب عن الإيمان بقداسة الحرية التي لا يدركها إلا الذين يجسدون ثقافة الإنسانية في أبعادها الوطنية، وحررنا كل مقدس من نير المفاهيم والمكاسب الضيقة الفئوية، فحرية الأسرى ليست للتجارة ولا للاستهلاك الحزبي، وإنما قضية وطنية مقدسة، وحري بنا الانتصار لها، لإثبات جدارتنا في الحياة بعزة وكرامة واستقلال وسيادة في دولة فلسطين الحرة.