أقلام وأراء

لماذا تتكرر نكبات الشعب الفلسطيني؟

بقلم: باسم برهوم

بعيدا عن نظرية المؤامرة التي تغيب التفكير النقدي والموضوعي، ثمة حاجة لأي شخص يخوض بالقضية الفلسطينية أن يراها بعمق ومن كافة جوانبها، وما يميزها عن أي قضية اخرى، فهي وان التقت مع الكثير من القضايا من زاوية انها قضية تحررية، فانها من جوانب أخرى كثير تمتلك خصوصية تكاد تنفرد بها. فالشعب الفلسطيني يواجه عدوا يدعي انه صاحب الارض الحقيقي وينكر بالمقابل كليا اي حق للسكان الاصليين بارض وطنهم، وهم الذين واصلوا العيش عليها منذ الاف السنين وعليها طوروا هويتهم الثقافية والحضارية.

جانب اخر يلعب دورا في تكرار نكبات الشعب الفلسطيني، هو ذلك التحالف الإستراتيجي، بين الصهيونية العالمية والدول الكبرى الاستعمارية. وهذه الاخيرة تعتبر المشروع الصهيوني، وبالتالي إسرائيل هي ذخرهم الإستراتيجي الاهم، وان وجودها وحماية هذا الوجود وضمان تطوره ورخائه هي مسألة حيوية وحاسمة لمصالح هذه الدول. هذا التحالف يستند الى ثقافة وخطاب ديني واستشراقي متين في الوعي الاوروبي والغربي عمره مئات السنين ويتم تغذيته باستمرار بشتى الطرق بحيث يبقى حيا في الوعي ويجري استنفاره بقوة عندما تتعرض إسرائيل والمصالح الاستعمارية للخطر.

ومن اكثر جوانب القضية الفلسطينية تعقيدا انها ارتبطت بحل المسألة اليهودية في اوروبا. والقرار الدولي كان ولا يزال حل هذه المسألة على حساب وجود فلسطين والشعب الفلسطيني، بمعنى ان الفلسطينيين قد دفعوا ثمن تاريخ ليس تاريخهم، وكانوا ضحية رواية جرت صياغتها كي تعزز الوجود الاوروبي والغربي في الشرق الاوسط. ولعل تزامن ظهور استكشاف النفط، وتحوله الى عنصر مهم للتنافس الاستعماري، قد لعب دورا في تعزيز فكرة وجود إسرائيل كعامل من شأنه ان يمزق المنطقة لتسهل السيطرة عليها.

لا يمكن فهم القضية الفلسطينية دون النظر لكافة هذه الجوانب وتداعياتها عبر الزمن. فالثابت في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لا يزال هو المتحكم في المتحرك والمتغيرات لأن مضمون النظام الدولي لم يتغير منذ الحرب العالمية الاولى، فالقوى الامبريالية لا تزال هي المتحكم، من هنا تستمر نكبات الشعب الفلسطيني. ولعل هذا التعقيد المركب والمتداخل مع عناصر عديدة، الدين والمصالح والسياسة هو ما يجعل الكثيرين يستسهلون اللجوء لنظرية المؤامرة، كما ان هذه الاخيرة اعفت الحكام العرب من مسؤوليتهم المباشرة في ضياع فلسطين وان تكون نكبة الشعب الفلسطيني بهذا الهول، وان يستمر الفلسطينيون في تلقي الضربات.

بالتأكيد هذا لا يعفي الفلسطينيين أنفسهم من المسؤولية في بعض جوانب ما حل بهم وخاصة انهم لم يتمكنوا من صيانة وحدتهم في خضم الصراع، وكان الآخرون وفي مقدمتهم الاحتلال الإسرائيلي والاستعمار يستغل ويستخدم انقسامات الشعب الفلسطيني لمصلحته ما كان له اكبر الأثر في جعل النكبة وتداعياتها المستمرة اكثر قسوة. من هنا قد نكون بحاجة الى قراءة اكثر موضوعية لنشأة وتطور القضية الفلسطينية والى ما وصلت اليه الان اكثر من حاجتنا للعن الظلام واللجوء لنظرية المؤامرة فقط.

وبالرغم من جبروت الأعداء الذين يواجههم، وبالرغم من طبيعة المشروع الصهيوني الاحلالي، فإن هؤلاء الاعداء فشلوا في البند الرئيسي من مخططهم الى وهو طمس الحقيقة الفلسطينية، بل ان هذه الحقيقة بات من المستحيل طمسها، والامر ذاته بالنسبة لاصرار الشعب الفلسطيني على نيل حقوقه الوطنية ومن هنا مصدر الأمل واستشراف المستقبل الذي لا يمكن الا ان تعود فيه فلسطين الى الخارطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى