ثمن الصدارة الصعب
بقلم: عمر الغول
بعد 30 عاما من التربع على رأس الحكم دون منازع نتاج تسيد حزب المؤتمر الوطني في جنوب افريقيا، لأنه كان يمثل صوت الأغلبية الشعبية في البلاد، لكن تراجعت مكانته في الانتخابات البرلمانية السابعة، التي جرت نهاية الأسبوع الماضي قبل 6 أيام، حيث أعلنت لجنة الانتخابات المركزية يوم الاحد 2 يونيو الحالي عن حصوله على المركز الأول بحصوله على 159 مقعدا من أصل 400 مقعد قوام الجمعية الوطنية، متراجعا عن الانتخابات السابقة بفارق 71 مقعدا، وخسر اغلبيته المطلقة، مما سيضطره للتحالف مع قوى وأحزاب أخرى. وللعلم شارك في الانتخابات 52 حزبا في التنافس على المقاعد ال400 في المقاطعات ال9، كما ادلى 27،672، 264 ناخبا بأصواتهم من اصل 62 مليون ناخب، أي بمعدل 48% من مجموع أصحاب حق الاقتراع
ومن العوامل الايجابية التي ساهمت في تبوء حزب المؤتمر الوطني المركز الأول، أولا تماسك وترابط الحزب، وانتفاء أي حالة تجاذب او تنافر بين هياكله القيادية وأعضائه؛ ثانيا استنفار الرموز التاريخية للحزب في المعركة الانتخابية، لاستشعار القيادة بالتراجع النسبي لقوة الحزب في الشارع الجنوب افريقي؛ ثالثا تماسك وقوة التلاحم بين الحزب الوطني الافريقي والحزب الشيوعي والاتحاد العام لنقابات العمال ومنظمة الخدمة المدنية؛ رابعا تمكن الحكومة من حل مشكلة الكهرباء نهائيا؛ خامسا التوسع في استقطاب عناصر من الأحزاب الأخرى والقريبة من رؤيته؛ سادسا غياب منافس قوي بين الأحزاب المشاركة في الانتخابات؛ سابعا مصادقة الرئيس راما فوزا على قانون مكافحة العنف ضد النساء، حيث شكلت عمليات قتل النساء معضلة مركزية في البلاد؛ ثامنا المصادقة على قانون التأمين الصحي العام؛ تاسعا السياسة الخارجية المتميزة لقيادة الحزب على الصعيد الافريقي والدولي، حيث ساهم بدور رئيسي في تشكيل مجموعة دول بريكس العالمية، واستضاف قمتها الأولى، بالإضافة الى وقوف جنوب افريقيا بقيادة الحزب الوطني مع الشعب الفلسطيني الثابت عموما، وفي حرب الإبادة الجماعية القائمة للشهر الثامن على التوالي حتى اليوم ال 242خصوصا، جميعها ساهمت في رفع منسوب شعبية الحزب، او لنقل حافظت نسبيا على مكانته المركزية، باعتباره العمود الفقري للأحزاب والقوى والشعب عموما.
ومع ذلك، فإن الحزب الوطني الافريقي يمتلك القدرة على مواصلة الإمساك بناصية البلاد في حال أحسن انتهاج سياسة إيجابية في نسج تحالفات مع القوى السياسية القريبة من نهجه السياسي، وامامه خيارات عدة لمواصلة دوره الريادي في قيادة الدولة، منها التحالف مع حزب التحالف الديمقراطي، او إيجاد قواسم مشتركة مع حزب أنكاثا الحرية، المنافس التاريخي له، او اللجوء للتحالف مع الأحزاب الصغيرة، او التحالف مع حزب المناضلين. بتعبير ادق الطريق ليست مغلقة أمام الحزب الحاكم، وبقدر ما يتمكن من إيجاد روابط وشراكات مع القوى القريبة من سياساته، بقدر ما يمكنه أولا الاستمرار بأريحية في قيادة البلاد، وثانيا باستعادة عافيته خلال السنوات ال5 القادمة، كون الانتخابات تجري كل 5 سنوات في جنوب افريقيا.
وبالنتيجة هناك دروس على الحزب استخلاصها، منها: أولا نجاح العملية الديمقراطية، وشجاعة الحزب الحاكم في قبول نتائج الانتخابات، وضرورة العمل على تعزيز الديمقراطية؛ ثانيا على الحزب نفسه والأحزاب والقوى والحركات المشابهة له في دول العالم، أن تدرك جيدا ان مطلق حزب لا يجدد نفسه، ولا يكافح من اجل البقاء واقفا على نبض الشارع هنا او هناك، ومتمثلا مصالح الشعب، فإن رصيده التاريخي سيتآكل، ولن ينفعه بشيء. ولا يجوز لأي قوة او حركة التغني بأمجاد الماضي، وتاريخها الكفاحي، او الاستهتار والتغاضي عن المزاج الشعبي العام؛ ثالثا صحيح ان الشعوب لا تنسى، ولكنها أمام التحديات الجديدة بعد تولي السلطة، وعدم معالجة هذا الحزب او تلك الحركة قضايا الفقر والمرض والفساد السلطوي، فأنها (الشعوب) تنحاز لمصالحها وحقوقها التي كفلها الدستور. ولتعلم كل الأحزاب والحركات ان ثمن الصدارة وتبوأ المركز الأول، لا يكون بالنوم على الماضي وامجاده.
مبروك كبيرة لجنوب افريقيا عرسها الديمقراطي، وكل الشكر والتعظيم للحزب الوطني الافريقي على مواقفه الرائدة في الدفاع عن حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، وقلوب الفلسطينيين والعرب عموما ستبقى الى جانب الحزب والشعب الجنوب افريقي العظيمين.