57 عاما من الاحتلال..
بقلم: باسم برهوم
قبل 57 عاما شنت إسرائيل حربا شاملة على ثلاث جبهات، المصرية والاردنية والسورية، وبعد ستة ايام فقط انتهت الحرب بهزيمة مدوية، وكان من نتيجتها، احتلال إسرائيل ما تبقى من فلسطين ، الضفة الغربية والقدس الشرقية التي كانت جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، وقطاع غزة الذي كان يخضع للادارة المصرية، كما احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية. ومع هذه النتيجة اصبحت فلسطين التاريخية بقبضة إسرائيل، وتحول الشعب الفلسطيني الى شعب يعيش جزء منه داخل إسرائيل، والجزء الثاني تحت الاحتلال والجزء الثالث مشرد عن ارض وطنه في الشتات، بعد ان اضيف لهذا الجزء في حينه اكثر من ربع مليون لاجئ جديد حملوا اسم النازخين، فاصبح المشردون قسمين نازحين ولاجئين، وبصراحة لا قيمة لهذا التقسيم الغريب لانهم كلهم لاجئون.
واليوم وبعد 57 سنة من هزيمة حزيران، و76 سنة من النكبة، لا يزال الشعب الفلسطيني مقسما الى الاقسام ذاتها ولا تزال فلسطين كلها تحت الاحتلال، خصوصا بعد ان اعادت إسرائيل احتلال قطاع غزة، ويضاف الى كل ذلك ان هناك حرب إبادة جماعية تجري بشكل وحشي منذ ثمانية اشهر في غزة، وحرب تصفية متدحرجة للكيان الفلسطيني الذي تاسس بموجب اتفاقيات أوسلو في الضفة، وهو الاتفاق الذي وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على مراحل من عام 1993 الى عام 1998، وكان مأمولا منها ان تقود الى سلام بين الدولتين فلسطين وإسرائيل، لكن جرت الرياح كما اشتهى اليمين الإسرائيلي المتطرف وها نحن عالقون في صراع دموي لا ينتهي. وفي المحصلة إسرائيل لم تتزحزح بعد عن عنصريتها ولا مشروعها الكولونيالي التوسعي، وتواصل عمليا انكار وجود فلسطين في التاريخ والجغرافيا ووجود الفلسطينيين كشعب.
لم يسرق الاسرائيليون الارض فحسب بل سرقوا من اجيال فلسطينية متتالية نعمة الاستقرار والحياة العادية والتطور الطبيعي في المكان. سرقوا فرصة ان يشكل الفلسطينيون ذاكرتهم على ارضهم وان يصيغوا مستقبلهم بهدوء. الاحتلال كان لا بد ان تقابله مقاومة وكفاح. فوجود الاحتلال هو مصدر العنف وسفك الدم. لم يغزُ الشعب الفلسطيني احدا ولم يحتل أرض احد بل هو من تعرض للغزو والعدوان، الاحتلال في معانيه الاخرى سالب الانسان انسانيته، سلبه حاضره ومستقبله، وفي الحالة الصهيونية فقد سلبت الفلسطيني تاريخه واستولت عليه قبل ان تستولي على ارضه وتقوم بتشريده او تمارس القمع والتميز العنصري ضده.
حرب حزيران 1967، كما حرب العام 1948 ( النكبة )، وحرب الابادة الجماعية الان في غزة، وقبلها حرب إسرائيل على بيروت العام 1982، عناوين كبيرة في مأساة تعج فصولها بالتفاصيل المرعبة، فلم يخل يوم الا وفيه ذكرى اليمة لاسرة فلسطينية او أكثر، ويمكن وصف الشعب الفلسطيني بانه ” شعب الفقدان “. بالمقابل لم يتوقف الشعب الفلسطيني عن مقاومة المشروع الصهيوني، صحيح اننا لم نوفق حتى بالحاق الهزيمة به ولكن هناك حقيقة لا يمكن انكارها وهي فشل المشروع الصهيوني في الغاء وجود الشعب الفلسطيني، فالعالم كله اليوم يدرك ان هذه الارض ليست بلا شعب كما ادعى الاباء المؤسسون للصهيونية، وانما لها صاحب، لها شعب يقدم التضحيات من أجلها. ولكن يبقى السؤال لماذا تاخر الشعب الفلسطيني في نيله حريته واستقلاله؟
هناك اجابة سهلة قديمة اعتادت النخب الفلسطينية استخدامها. وهي ان المخطط والمشروع الذي يواجهه الشعب الفلسطيني هو مخطط متعدد الأطراف، وان هذه الأطراف هي من يسيطر على مقاليد الامور في العالم، وبالتالي ميزان القوى كان باستمرار يميل لمصلحة الصهيونية العالمية. او ان يختصر الجواب بالقول، ان ” المؤامرة اكبر منا “، من دون شك هناك صحة في الجوابين ولكن كلاهما يغيب القراءة التحليلية النقدية لتاريخ حركتنا الوطنية، وهذا التغيب ما زال مكلفاً، فلا بد من هذه القراءة كي لا تتكرر الأخطاء التي طالما أدت الى الفرقة والانقسام. والأهم ان تتمكن من تحقيق أكبر قدر من الوحدة الوطنية.