أقلام وأراء

هل يعتبر حلّ السلطة الفلسطينية حلّاً للأزمة الوطنية؟

بقلم: رمزي عودة

مع تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ثمة مواقف تفاقمها الأخبار، وبعض التصريحات الغربية والفلسطينية تتحدث عن مخاطر حل السلطة الوطنية، سيما أمام تغول الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على الضفة الفلسطينية المحتلة، واتخاذه إجراءات تعسفية ضدها تحت كلمة عقوبات.


في هذا الإطار، ليس من المستغرب أن تخرج مواقف هنا وهناك تتحدث عن حل السلطة الوطنية في ظل حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وانعدام الأفق السياسي، وقيام الحكومة الفاشية الاسرائيلية بتنفيذ مخطط لضم الضفة الفلسطينية، وتوسيع الاستيطان، لتقويض السلطة الوطنية.


في الواقع، تختلف توجهات الداعين إلى حل السلطة الوطنية، وتتباين مبرراتهم التي يسوقونها في الدفاع عن وجهة نظرهم، فبعضهم محكوم بمنطلقات إيديولوجية وحزبية، تدفعهم إلى معارضة السلطة الوطنية، سواء لأنهم خارج إطار تمثيل السلطة الوطنية، أو بسبب معارضتهم لسياساتها، وبعضهم يدعو إلى حل السلطة الوطنية، من أجل إنتاج حالة من الفوضى، تماما كالحالة في قطاع غزة، بحيث لا يبقى في المشهد السياسي أي نظام بديل له شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني.


أما البعض الآخر، فيدعو إلى حل السلطة الوطنية من أجل تحميل الاحتلال مسؤولية إدارة الضفة الغربية، بما يعني ذلك زيادة كلفة الاحتلال. وهناك من يطالب بهذا الاختيار كون السلطة الوطنية نتاجا لاتفاق أوسلو، وأخيرا، هناك من يبرر حل السلطة الوطنية بضرورة إصلاح السلطة وجعلها حيوية أكثر .


ورغم وجاهة بعض هذه المبررات في ظاهر الأمر، إلا أن العديد منها يؤدي إلى نتائج غير منطقية، بل إنه في كثير من الحالات يعتبر جنوحا وتراجعا للوراء، ولهذا أريد أن أورد بعض الإجابات وربما المبررات التي تدفعنا للتمسك بالسلطة الوطنية الفلسطينية، ومن أهمها:

شرعية داخلية ودولية للسلطة

أولا، تملك السلطة الوطنية شرعية داخلية واسعة وكبيرة، باعتبارها نظاما ريعيا يعتمد أساسا على توظيف أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، حيث يعتاش على رواتب السلطة أكثر من 850 ألف فلسطيني، وتحصل أكثر من 30 ألف عائلة فلسطينية على مساعدات مباشرة من خزينة السلطة، كما توفر السلطة رواتب منتظمة لعشرات الآلاف من الأسرى والشهداء والجرحى، بحيث أستطيع أن أقدر أن أكثر من نصف الشعب الفلسطيني تقريبا يعتمد في قوت حياته بشكل مباشر أو غير مباشر على فاتورة الرواتب والمساعدات والمنح الحكومية.


ثانيا، تملك السلطة الوطنية شرعية دولية واسعة نجحت في تجنيدها لصالح القضية الفلسطينية على مر العقود السابقة، وتكللت نجاحات السلطة هذه على الصعيد الدولي بالإنجازات الدبلوماسية المتعددة في الاعتراف بدولة فلسطين، وبمقاضاة إسرائيل في المحاكم الدولية، وكذلك الانضمام لمئات من الاتفاقات الدولية.


ثالثا، تقدم السلطة الوطنية أكثر من ثلث موازنتها لخدمات التعليم والصحة، بحيث يستفيد أكثر من مليون طالب من هذه الخدمات، إضافة إلى أكثر من مئتي ألف فلسطيني يستفيدون من خدمات الرعاية الصحية سنويا.

 ومن جانب آخر، تقدم الأجهزة الأمنية الفلسطينية خدمات واسعة ومهمة في حقول حفظ السلم الأهلي، ومنع الفوضى والفلتان وكبح جماح الجريمة ومنع انتشار المخدرات.


رابعا، تقوم السلطة الوطنية بتحمل تبعات المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية، وهي بهذا لا تقوم فقط بتمثيل الشعب الفلسطيني وحفظ هويته نيابة عن منظمة التحرير، وإنما أيضا توظف الجزء الأهم من موازنتها لاستخدام العديد من الأدوات القانونية والدبلوماسية الرامية الى إدانة الاحتلال الاسرائيلي وتحميله المسؤولية الجنائية عن جرائمه والمطالبة بالتخلص منه. وقد حققت في هذا الحقل إنجازات مهمة بحيث يبدو أننا قد اقتربنا كثيرا من تجسيد الدولة الفلسطينية.

ضمانة مجتمع فلسطيني تعددي

خامسا، تمثل السلطة الفلسطينية الضمانة الأساسية لوجود مجتمع فلسطيني تعددي يحفظ كرامة الناس ويمنع مصادرة الحريات والممتلكات، مجتمع يقدس مبادئ المواطنة ويبتعد عن التطرف والاسلاموية السياسية التي دمرت العديد من الأنظمة السياسية وقزمت الشعوب وسلبت الحريات.


سادسا، هنالك خلط واضح بين انتقاد السلطة الوطنية وبين المطالبة بحلها. فالشعوب عادة تطالب بتغيير الحكومات وليس حل دولها. وهذا بالضبط ما أود الإحاطة به، فحل السلطة الوطنية ليس إجراء وطنيا لأنه يعني انهيار بنية النظام السياسي الفلسطيني، كما أن المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد، لا يعني حل السلطة الوطنية، وإنما يجب أن يشير إلى ضرورة الإصلاح وإجراء الانتخابات بالأساس، والجميع يعرف أن إجراء مثل هذه الانتخابات لا يكون فاعلاً في ظل الاحتلال، ولن يكون بمقدور أي فلسطيني شريف أن يوافق على إجراء انتخابات بعيداً عن القدس.

وأخيرا، لا يمكن إجراء أية انتخابات أو إصلاحات في ظل الإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة، فالأولوية الآن لإعادة إعمار غزة، وإعادة غزة إلى حاضنتها الوطنية، حاضنة منظمة التحرير.

رداً على دعوات حل السلطة

من جانب آخر، وفي موضوعة المبررات التي يسوقها دعاة حل السلطة الوطنية، أريد أن أشير إلى بعض الملاحظات الهامة:


1- إن حل السلطة الوطنية لن يؤدي إلى إعادة تحميل اسرائيل مسؤولية إدارة الضفة الغربية المحتلة، بل على العكس ستقوم إسرائيل بما فعلته تماماً في قطاع غزة. هذا السيناريو سيتمثل بإعادة احتلال غالبية المناطق بما فيها السكنية والتدخل العسكري عند الحاجة، وتحويل ملف المساعدات إلى الأمم المتحدة والدول العربية، ونشر الفوضى والبلطجة وتجارة المخدرات. بمعنى آخر، ستجد إسرائيل المبرر الكافي للتنصل من أي اتفاق والتزام دولي وستحول الضفة الغربية إلى غزة أخرى وربما بنتائج أكثر كلفة على الشعب الفلسطيني.


2- إن ربط السلطة الوطنية بالتنسيق الأمني عملية تاريخية انتهى وجودها، وقد ارتبطت بمرحلة من مراحل بداية تطبيق اتفاق أوسلو، فلم يعد أحد يتحدث الآن عن اتفاق أوسلو، لا الطرف الفلسطيني ولا الإسرائيلي. بل إن إسرائيل نفسها شطبت أكثر من 16 بندا من اتفاق أوسلو بعد الانتفاضة الثانية كما أن اللجنة التنفيذية للمنظمة قررت منذ عدة سنوات العمل على تخفيف وإلغاء تبعات والتزامات اتفاق اوسلو، بما فيها التنسيق الأمني. والجميع في فلسطين يدرك أن أوسلو قد انتهى، وأن إسرائيل انتقلت منذ قرابة العقد إلى مرحلة ضم الضفة الغربية. وبهذا، فإن المسألة المهمة بالنسبة لنا كفلسطينيين هي ليست تأييد أو رفض اتفاق أوسلو، وإنما أصبحت المسألة المهمة الآن هو كيف يتم التخلص من اتفاق أوسلو؟ أو بالأحرى كيف يمكن تقليص التبعات التي تفرضها إسرائيل علينا في إطار الاتفاق دون أن تؤثر هذه العملية على قدرتنا على المضي قدماً في تحقيق مشروعنا الوطني؟


3- إن التمسك بالسلطة الوطنية في هذه الظروف الصعبة يعتبر هاما جدا، سيما أن السلطة هي أداة منظمة التحرير في إدارة الضفة الغربية والقطاع، والمنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي الأقدر على إدارة حكم غزة في اليوم التالي للعدوان وإعادة إعمار غزة، وتعجيل عودتها إلى حاضنتها الوطنية. صحيح أن المشروع الصهيوني يهدف إلى إعادة احتلال غزة، ومنع تولي حماس أو السلطة قطاع غزة، الا أن السلطة الوطنية تظل الإطار الشرعي المقبول وطنيا ودوليا والمناسب لهذه المهمة، ولن تستطيع إسرائيل تغييبها عن المشهد السياسي في القطاع، سيما إذا تم تعزيز التمسك بها جماهيريا.


ما وددت قوله في هذه المقال لم يأت في إطار الجدل الحزبي أو الإيديولوجي، وإنما جاء في سياق التمسك بثوابت المشروع الوطني الفلسطيني، والذي اعتبر وجود السلطة الوطنية ضرورة من ضروراته الأساسية، من أجل تمكينه وإقامه الدولة المستقلة.


وفي الواقع، أنا هنا لا أريد أن أخوّن أو أجهّل من يطالبون بحل السلطة الوطنية، وإنما أردت فقط أن أنير بعض النقاط على عمل السلطة وآفاق تحولها إلى الدولة. وهنا أجادل بأن حل السلطة لن يكون حلاً للأزمة الوطنية، وإنما على العكس سيفاقم من هذه الأزمة، حيث يعني حل السلطة الوطنية العودة بالمشروع الوطني إلى الوراء، ويعني الفوضى، ويعني فوق كل هذا انهيار منظمة التحرير الفلسطينية التي ناضل من أجل تثبيتها الشعب الفلسطيني لعقود طويلة. وفي النتيجة، فإن السلطة الوطنية هي ملك للشعب الفلسطيني وفصائله الأعضاء في منظمة التحرير، وستبقى هذه السلطة أداة بيد الشعب للوصول إلى الاستقلال وتحقيق الدولة، وحتى في ظل الضغوط الإسرائيلية والغربية على السلطة الوطنية، ستظل هذه السلطة حقلا وأداة للنضال ضد المحتل بكل الامكانات المتاحة، لأن الانتماء لهذه السلطة هو باختصار انتماء للمشروع الوطني الفلسطيني.

……….
إن التمسك بالسلطة الوطنية في هذه الظروف الصعبة يعتبر هاما جدا، سيما أن السلطة هي أداة منظمة التحرير في إدارة الضفة الغربية والقطاع، والمنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي الأقدر على إدارة حكم غزة في اليوم التالي للعدوان وإعادة إعمار غزة، وتعجيل عودتها إلى حاضنتها الوطنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى