أخبار الوطنالأخبار

الرئيس في اليوم العالمي للتضامن مع شعبنا: التصعيد الخطير في المنطقة سببه الرئيس غياب الحقوق وتجاهلها

وفيما يلي كلمة رئيس دولة فلسطين محمود عباس، لمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني:

معالي السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة،

سعادة السيد دينيس فرانسيس، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، 

سعادة السفير تشانغ جون، رئيس مجلس الأمن،

سعادة السيد شيخ نيانج، رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف،

أصحاب السعادة، السيدات والسادة

 في هذا الوقت العصيب، الذي تمر به القضية الفلسطينية، وفي أحلك الأوقات ظلمة، يشع نور الأمل من المواقف المبدئية للشعوب التي هبت في كل أصقاع الأرض، لتعبر عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني ومع نضاله وحقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال والعودة، وإدانتها للعدوان والحرب والقتل والدمار والتهجير، ووقوفها الى الجانب الصحيح من التاريخ.

واليوم فإنني اتوجه باسمي وباسم الشعب الفلسطيني بالشكر والامتنان لهذه الشعوب وقادتها الذين رددوا أصوات ومواقف شعوبهم ولأولئك الذين يؤمنون بعدالة القضية الفلسطينية، وحق شعبنا غير القابل للتصرف في الحياة، والحرية، وتقرير المصير، والشكر موصول لكل الدول والمنظمات والشعوب التي هبت لتقديم المساعدات الانسانية والاغاثية لشعبنا،  ونقول لكم: لن ننسى هذا النخوة، وهذه اللفتات النبيلة، لقد ألهمتنا عزيمتكم الصادقة، وانسانيتكم، ومواقفكم المبدئية الداعمة للحقوق الأساسية والقانون الدولي، والرافضة للاحتلال، والعدوان والأبارتهايد.

أصحاب السعادة، السيدات والسادة

يأتي يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني في وقت يتعرض فيه شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة لتهديد وجودي واستهداف متعمد ومنهجي للمدنيين. فقد ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلية، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، جرائم دولية فظيعة، بما في ذلك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وشنت عدوانا همجيا، وحربا قذرة انتقامية، وجرائم إبادة جماعية، تستهدف الأبرياء. فقد راح ضحية هذا العدوان الاسرائيلي حتى الآن من الفلسطينيين أكثر من 60 ألفاً بين قتيل وجريح منهم 70% من الأطفال والنساء والشيوخ، عدا الآلاف من الضحايا تحت الأنقاض، وتم إبادة عائلات بأكملها، وتهجير أكثر من 1.7 مليون فلسطيني في محاولة لتطبيق نكبة جديدة، علاوة على عشرات الآلاف من المساكن والمباني والمرافق ومراكز الإيواء والبنى التحتية التي دمرتها آلة الحرب الاسرائيلية على رؤوس ساكنيها. إن هذه الحرب هي امتداد للعدوان الذي يشنه هذا الاحتلال البغيض على شعبنا لاستدامة استعماره واحتلاله لأرض دولة فلسطين بما فيها القدس، فالسلام والأمن لا يمكن أن يتحققا بتجريد الفلسطينيين من انسانيتهم، او شيطنتهم، ولا بسحق جماجم الرضع، وإراقة دماء الاطفال ولا “بمحو غزة” او “تحويلها الى جهنم” او “تقليص مساحتها”، ولا بقطع المياه والكهرباء والوقود وترك 2.3 مليون فلسطيني للجوع والحرمان محاصرين، دون السماح بإدخال الحد الأدنى من احتياجاتهم الانسانية والاغاثية الطبية والغذائية.

وفي الضفة الغربية، بما فيها القدس، يتعرض شعبنا لاعتداءات واسعه وخطيرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية، بهدف الاستيلاء على الأرض والمقدرات، لذلك فإننا ندعو المجتمع الدولي والمنظمات الدولية كافة لوقف إجراءات الضم الصامت، والاستيطان، ووقف الممارسات اليومية للتطهير العرقي والتمييز العنصري، في الأرض الفلسطينية المحتلة كافة، ووقف الاعتداءات على المقدسيين من أبناء شعبنا من مسيحيين ومسلمين، والاعتداءات على المقدسات، ومنع الاقتحامات للمسجد الأقصى المبارك ومحاولات تغيير الواقع الراهن القانوني والتاريخي في المدينة المقدسة، ووقف الاجتياحات للمدن، والاعدام الميداني، والاعتقالات التعسفية، والاعتداء على الأسرى، واحتجاز جثامين الشهداء، وسرقة أموال وموارد الشعب الفلسطيني، ووقف جرائم مليشيات المستوطنين الإرهابيين المدعومة من جيش الاحتلال، وغيرها من الجرائم المنهجية وواسعة النطاق، ووقف تسليح آلاف المستوطنين المستعمرين الارهابيين لمواصلة ارهابهم واعتداءاتهم على أبناء شعبنا في القدس والضفة الغربية.

السيدات والسادة

ان التصعيد الخطير في المنطقة سببه الرئيس غياب الحقوق وتجاهلها، وعليه، على العالم أن لا يقف متفرجا على ما تقوم به اسرائيل من كل انواع القتل والدمار، والاعتقال والتهجير ضد الشعب الفلسطيني، والتعايش مع جرائمها وإفلاتها من العقاب، وعليه البحث عن حل جذري للاحتلال ووجوده على ارض دولة فلسطين. فإنهاء الاحتلال، واحقاق حقوق الشعب الفلسطيني هو الطريق الوحيد للحفاظ على الاستقرار والامن والسلم الإقليميين، والدوليين.

والمطلوب الآن وبشكل عاجل، الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي، ووقف إطلاق النار على شعبنا في قطاع غزة، والعمل العاجل على تأمين دخول المساعدات والمعونات الانسانية، ورفض ومنع التهجير القسري، وتوفير الحماية الدولية العاجلة للشعب الفلسطيني، وتحقيق العدالة من خلال المساءلة والمحاسبة. ورفض تقسيم قطاع غزة او تقليص مساحته، او إعادة جنود الاحتلال للتموضع داخل قطاع غزة.

بالإضافة الى ضرورة اتخاذ خطوات استراتيجية لمعالجة التهديد الاستراتيجي لحل الدولتين، وخطوات عملية لمعالجة جذر المشكلة وسبب غياب الأمن وعدم الاستقرار في الشرق الاوسط من خلال انهاء الاحتلال الاستعماري الاسرائيلي لأرض دولة فلسطين وعاصمتها القدس، استنادا لقرارات الأمم المتحدة، ومرجعيات عملية السلام والقانون الدولي، وإحقاق الحقوق غير القابلة للتصرف وعلى رأسها الحق في تقرير المصير، والاستقلال الوطني، وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم التي شردوا منها تنفيذا للقرار 194.

وقد حذّرنا على مدار السنين الـ 75 الماضية من أن تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، ومعاناته والقانون الدولي، وعدم اتخاذ خطوات لمحاسبة إسرائيل، والتعامل معها كدولة مارقة فوق كل الأعراف والقوانين الدولية، وتبرير ما تقوم به من جرائم تحت مسميات مختلفة، قد ساهم في إطالة أمد الاستعمار الاسرائيلي وجرائمه، وسمح لإسرائيل ان تأخذ الإنسانية رهينة لوحشيتها، وهو ما يقوض المنظومة الدولية متعددة الأطراف القائمة على القانون. والبعض قد ذهب إلى حد التواطؤ مع جريمة الإبادة الجماعية، وجرائم الاحتلال وإرهابه ومنحه الحصانة من المساءلة والعقاب، وتفويضا مطلقا بالقتل وشن العدوان على شعبنا، وزوده بالسلاح، وشجعه على عدوانه الأخير في غزة بل وأرسل تعزيزات عسكرية في انخراط مباشر بالأعمال العدائية ضد شعبنا ورفض الدعوة لوقف إطلاق النار في تبرير مباشر للقتل. إن حرب الإبادة التي تقوم بها آلة الحرب الإسرائيلية المحتلة هي ليست دفاعاً عن النفس، وهنا لا بد من التذكير، بأنه لا يحق لمن يرتكب جريمة العدوان، واحتلال ارض الغير، الادعاء بحق الدفاع عن النفس، ولا شيء يمكن ان يبرر قتل المدنيين الأبرياء والاطفال، واستهداف الأعيان المدنية بما فيها المستشفيات والمدارس وملاجئ الأمم المتحدة ومبانيها، ولا استخدام التجويع كسلاح في الحرب، وقطع المياه والمواد الطبية عن المدنيين الابرياء.

أصحاب السعادة، السيدات والسادة

لقد قادت منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، النضال الوطني الفلسطيني من أجل تجسيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ورفضت المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، والحلول المجزوءة وحافظت على القرار الوطني المستقل، والسيادة المطلقة للشعب الفلسطيني على أرضه. وأكدت على انه لا دولة في غزة، ولا دولة دون غزة، وان غزة كالقدس والضفة الغربية جزء أساس، ولا يتجزأ من دولة فلسطين. وسنعمل على الحفاظ على حقوق شعبنا، ومواجهة العدوان، والاحتلال ومقاومته بالسبل السياسية والقانونية، والمقاومة الشعبية السلمية، ولن يرضخ شعبنا للاستعمار والابارتهايد، وان شعبا، كشعبنا الصامد، والمدعم والمسلح بتضامن دولي منقطع النظير، لن يقبل بالفصل العنصري والبانتوستونات، والتطهير العرقي والحصار، والكراهية، وإهدار حقوقه، فقد آن الأون لتحقيق رؤية المجتمع الدولي للاستقرار والسلام في المنطقة، والقائمة على انهاء الاحتلال لأرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية استنادا لقرارات الشرعية الدولية لهذه المنظمة، ومرجعيات وأسس الحل المستندة الى آليات تنفيذ واضحة، وضمن إطار زمني محدد، بما في ذلك ما ورد في قرار مجلس الأمن 2334(2016)، وتحمل الدول والأطراف الثالثة لواجباتها في عدم الاعتراف بالأعمال غير الشرعية، وعدم منحها أي شكل من أشكال الدعم، وضمان احترام القانون الدولي وتوفير الحماية الدولية لشعبنا الأعزل. وتمكين شعبنا من ممارسة حقه في تقرير مصيره، ونيل حريته واستقلاله على أرضه، وإنجاز السلام العادل والشامل في المنطقة. ونحث في هذا الصدد تمكين دولة فلسطين للحصول على عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن، كخطوة أولى، إلى جانب قيام الدول التي تريد الحفاظ على حل الدولتين الاعتراف بدولة فلسطين الآن، ودعم السلام ورفض العدوان والحرب وإبقاء الأمل.

السيدات والسادة

نحن على قناعة أكثر من أي وقت مَضى، أنه قد آن الأون لعقد مؤتمر دولي للسلام وفرض الإرادة الدولية، ورفض تعنت إسرائيل في رفض هذه الرؤية والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الوجود، وفي تقرير المصير، ونحن جاهزون للعمل مع المجتمع الدولي، لتحقيق ذلك فورا، وان العدوان الحالي على شعبنا الفلسطيني يجب ان يتوقف فورا، وان ننخرط في عملية سياسية جادة، تحتكم للشرعية الدولية، وتهدف إلى إنهاء الاحتلال، وتحديد رزمة من الضمانات، لتنفيذ ما يتفق عليه ضمن فترة زمنية محددة، لتحقيق سلام عادل وشامل، يؤدي الى نيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله في دولة فلسطين، وعاصمتها القدس، وحق عودة اللاجئين الى ديارهم التي شردوا منها استنادا للقرار 194 وتنفيذ مبادرة السلام العربية.

ان العدوان الإسرائيلي الحالي يضعنا على مفترق طرق، إما أن تنتصر فيها الإرادة الدولية، او إرادة الاحتلال في استدامة استعماره، ورؤيته لشرق أوسط غير مستقر ومشتعل مدعم بسياسات الاستيطان وارهاب المستوطنين، واقتحامات لمدينة القدس، وانتهاك للمقدسات وتحويل الصراع من صراع سياسي الى حرب دينية لن يحمد عقباها.

السيدات والسادة، الاصدقاء الأعزاء

إننا لن ندخر جهداً في حماية أبناء شعبنا والبحث عن السبل كافة لتجنبه وبلات الحرب، والقتل والدمار، وللحفاظ على وحدة شعبنا ووحدة مصيره في أرض وطنه فلسطين ليمارس عليها حقوقه الأساسية وحقه الأسمى في الحياة، واننا نعبر عن التزاماتنا بالقانون الدولي ومؤسساته، ومؤسسات العدالة الدولية، وواجباتها في المحاسبة والملاحقة لجرائم الاحتلال المخالفة للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني، كأساس لإحلال السلام وإنصاف الضحايا من الشعب الفلسطيني، وواجبات إسرائيل كسلطة قائمة في الاحتلال لتحمل مسؤولياتها عن كل ما دمرته، وجبر الضرر عن جرائمها في غزة، والضفة الغربية بما فيها القدس.

أصحاب المعالي والسعادة، الأصدقاء الأعزاء،

ان فلسطين، كانت ولا زالت، الاختبار الحقيقي لنجاعة وديمومة المنظومة الدولية القائمة على القانون، ولا يمكن لأي قدر من الادعاء الباطل والأصوات التي تساوي بين الضحية والجلاد وبين الاحتلال والمحتل القفز على هذه الحقيقة. وان فشل تعاطي او تجاهل المنظومة التي ولدت القضية الفلسطينية من رحمها هو فشل لهذه المنظومة وديمومتها. فالشعوب والأصوات الحرة والمتضامنة التي هبت بالملايين في عواصم العالم تقف الى جانب الحق الفلسطيني، والصمود الأسطوري لأبناء شعبنا، وتقف احتراما لمبادئ القانون الدولي، وضرورة تطبيقها دون ازدواجية للمعايير، او انتقائية.

إن شعبنا الفلسطيني، ومعه كل المتضامنين في العالم لن يقبلوا بالقهر والظلم، وكما لن يقبلوا بأقل من أن يعيش حراً كريماً في وطن حر كريم؛ ومن حقه أن يدافع عن نفسه وعن وجوده وحقوقه الوطنية، واسمحوا لي أن أقول إن من حقه عليكم أن تساعدوه على تحقيق حريته واستقلاله، وأن يعيش في أمن وسلام، أسوةٍ ببقية شعوب العالم. ولن تثنيه قوة على الأرض من تحقيق هذا الهدف.

وأخيراً أود أن أحيي صمود أبناء شعبنا الفلسطيني في فلسطين وفي مخيمات اللجوء والشتات، وأحيي بكل فخر واعتزاز شهداءنا وأسرانا وجرحانا البواسل، وأقول لهم جميعاً إن هدفنا واحد في إنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال. وأكرر مرةً أخرى بأن الاحتلال إلى زوال وسوف ينتصر الحق الفلسطيني طال الزمن أم قصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى