تيقظوا يا أولي الألباب
بقلم: موفق مطر
كل بندقية تغادر مربع المواجهة مع جيش الاحتلال وميليشيا المستوطنين، ويطلق منها النار على أفراد ومقرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ما يعني وبشكل أوضح أن هذه البندقية مسنودة على كتف أعداء المشروع الوطني الفلسطيني، الذين اتخذوا في غزة ويتخذون الآن مبدأ المقاومة المسلحة غطاء للتمويه على مهمتهم القذرة كجبهة خلفية للاحتلال، ويأخذون المخيمات وجماهيرها كرهائن، ويغطون جريمتهم بأفظع عملية تضليل إعلامي ممول ومدفوع الأجر من جماعات وقوى محلية، ودول إقليمية تسعى للسيطرة على الحالة الفلسطينية كمواقع نفوذ، ووجود فعلي مادي على الأرض، كورقة مساومة مع الولايات المتحدة أميركية، فهؤلاء جميعا هدفهم إجهاض مشروع الدولة الفلسطينية، عبر إسقاط وتدمير نواتها الأساس (الأجهزة الأمنية).
إن متابعتنا للأحداث المفتعلة في جنين ونابلس والتي يعقبها إطلاق نار كثيف جدا على مقرات الأمن الوطني الفلسطيني، ومشاهدة مئات المسلحين المقنعين، بعتادهم اللامع وكأنه خارج للتو من لفائفه الورقية والبلاستيكية، وإهدارهم الرصاص في الهواء كمظهر قوة وإرعاب و(إرهاب) حتى، وغيابهم عن ساحات القتال عند اجتياح قوات جيش الاحتلال الصهيوني المخيمات وبعض المناطق في المدن، وتركهم المناضلين المؤمنين بانتمائهم الوطني في ميادين المواجهة، ومن ثم الهرولة للتمظهر في مواكب تشييع الشهداء، وحث أفواه أشباه العملاء الصغار، أو الجاهلين على إطلاق هتافات معادية لأجهزة أمن السلطة الوطنية الفلسطينية وقيادة الشعب الفلسطيني السياسية، فيما قوات الاحتلال تراقب عن كثب بالعيون والأسماع ما يحدث، إن متابعتنا ومعلوماتنا الخاصة الدقيقة من مصادر موثوقة، واستحضار سيناريو الأحداث التي سبقت انقلاب حماس على المشروع الوطني في قطاع غزة منذ سنة 2007 وسيطرتها بالقوة المسلحة عليه وفصله عن الوطن وإنشاء سلطة مدعومة من حكومة الاحتلال وقوى ودول في الإقليم، لتؤكد لنا أن ما يحدث بين الحين والآخر ليس أعمالا صبيانية، ولا ردات فعل، وإنما مراحل في خطة مؤامرة اطرافها: الصهيونية الدينية وإخوانهم المسلمين، وأسياد الفرس الجدد المعممين، مؤامرة يعجز (إبليس) عن صنع مثيلها، كما يأبى (الشيطان) المشاركة في تنفيذها، أما الهدف فواضح ولا يحتاج إلى تنقيب واستطلاع أو تحليل أو تخمين، وهو جعل قيام دولة فلسطينية مستقلة، بمؤسسات سيادية سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية مستحيلا، ونخر المجتمع الفلسطيني بصراعات داخلية، يستحيل معه الحفاظ على السلم الأهلي والمجتمعي، باعتباره القاعدة الأمتن لرفع ركائز الدولة القوية والديمقراطية والتقدمية، فالقوى المحلية المنخرطة في المؤامرة معنية ببقاء بإسقاط المشروع الوطني، وتدمير مؤسسات السلطة الوطنية ودولة فلسطين، فهذا هو الوضع النهائي الفريد بالنسبة لها لتحقيق طموحاتها لاستعادة مكانتها كسلطة بديلة رغم إدراك رؤوس هؤلاء أنهم سيبقون مجرد عملاء وإجراء لمنظومة الاحتلال ينفذون ما يؤمرون به! أما القوى والدول الإقليمية فمعنية باستخدام جماعات فلسطينية مسلحة تحت أسماء إسلامية تتناسب وسياساتها فيما يسمى تصدير الثورة، وأخرى هلامية متقلبة وتقدم ذاتها كمستخدم لأجندات خارجية حسب قواعد العرض والطلب، أما منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصرية (إسرائيل) بقيادة الصهيونية الدينية، فهي المدبر للمؤامرة والحاصد لنتائجها، والمستفيد المباشر أولاً وأخيراً، فالصهاينة لا يهدرون أوقاتهم بالدعاء والأمنيات، وإنما بسلوك كل الطرق والأساليب التي تمكنهم إجهاض مشروع الاستقلال الوطني الفلسطيني، ومنع الشعب الفلسطيني من انتزاع حريته، والأهم من كل ذلك تجريد الفلسطيني فردا أو جمعا من فكرة الانتماء الوطني، وتحويلها لمجرد ارتباط باسم فلسطين لا يضر ولا ينفع، لكنه يدر مكاسب على مستخدمه ومستثمره لتوثيق ارتباطه بالقوى الأجنبية وتنفيذ أجندات دول إقليمية ذات أطماع استعمارية تاريخية تحت بند “الفضل في دعم المقاومة” كما قال رؤوس حماس في الأيام الماضية وعلى رأسهم يحيى السنوار الآمر الناهي بالحديد والنار في قطاع غزة!. فتجريد الفلسطيني من الانتماء الوطني وتحويله إلى مجرد شخص فارغ بلا عقل وطني يوجهه سياسيا، سيجعل منع بكل بساطة شخصا آليا ببندقية يقطع بها الطريق على المناضلين الوطنيين المخلصين، ولعلم الجميع فإن الغزاة لا يحققون أهدافهم بعددهم وأسلحتهم وقوتهم المدمرة وحسب، بل بسلاحهم الأخطر، ببنادق خفية ومموهة بأسماء مصبوغة بقداسة ما مسنود على أكتاف (الشاباك) !.فاحذروا وتيقظوا يا أولي الألباب الوطنية الفلسطينية.