أقلام وأراء

حماس ..إصبع مسموم في المقاومة وتسعة للفتنة

بقلم: باسم برهوم

أهل جنين ومخيمها يعلمون ويتحدثون بأن حماس لم يكن لها أي دور حقيقي وجدي في التصدي للعدوان الوحشي الإسرائيلي على مخيم جنين، لكن حماس تملك الجزيرة وماكينة جماعة الإخوان الإعلامية الهائلة لتغطي على غيابها، بل على العكس لتظهرها وكأنها هي من يواجه ويتصدر المشهد . أهل جنين والمخيم يعلمون ويتحدثون بأن فتح والجهاد الإسلامي هم من تصدوا وأن من بين الشهداء الـ 12 الذين ارتقوا في معركة الصمود والتصدي، ستة من فتح، ومن كان يتابع البيانات في اليوم الأول للعدوان، كانت تصدر باسم سرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى، وفي اليوم الثاني قامت حماس بغزوتها الإعلامية الفقاعية.
ولكن بعد أن انتهى العدوان وانسحب جيش الاحتلال، وخلال تشييع الشهداء جاء أنصار حماس ليفسدوا اللحظة الوطنية المهيبة، قد لا نوافق على كل سياسات السلطة الوطنية الفلسطينية، ولكن هل من الصحيح بعد هذا النصر على المحتل، والذي كانت فتح الشريك الأهم في صنعه، أن نقدم مشهد الفتنة هذا؟ من المستفيد من هذا المشهد، حتى إن أنصار حماس لم يحترموا الشهداء ولا أسرهم ولا جيرانهم وأصدقاءهم الذين جاءوا لتشييعهم، وبالمناسبة غالبيتهم من فتح ومناصريها . بضع عشرات من أنصار حماس أفسدوا المشهد الوطني وقدموا هدية لنتنياهو ليقول: لقد نجح عدواننا، فالفلسطينيون دبت بينهم الفتنة وتناقضاتهم الداخلية تطحنهم طحنا.
الماكينة الإعلامية، بقيادة قناة الجزيرة الموكلة بتلميع حماس وجماعة الإخوان وتنظيمهم الدولي، الماكينة التي تقوم بالتضليل والتغطية على تفاهمات حماس الاستراتيجية مع إسرائيل، والتزامها الحديدي بالهدنة في غزة. هذه الماكينة تجندت بالكامل لتكون حماس وكأنها تتصدر مشهد المواجهة في جنين ومخيمها البطل.  ومن كان يراقب قادة حماس يلاحظ ببساطة أن همهم الوحيد كان التغطية على تفاهماتهم مع إسرائيل، لقد سمعناهم يرددون مصطلحا مبهما  غريبا”  إذا انتهكت إسرائيل الخطوط الحمر فسنرد ” ماهي الخطوط الحمر في نظر حماس؟ ألا يمثل تدمير مخيم جنين ومدينة جنين خطا أحمر، ألم يمثل من قبل حرق حوارة والتدمير في ترمسعيا وغيرها من المدن والقرى والمخيمات خطا أحمر؟ .
علاقة حماس مع نتتياهو واليمين الإسرائيلي قديمة، ربما من المهم تذكير القارئ .أن حماس كانت تتقاطع مع هذا اليمين، فهي من ساهم  بفوز  نتنياهو في أول انتخابات في ربيع 1996 ، فبعد اغتيال رابين  4) تشرين الثاني / نوفمبر (1995 كان اليسار الإسرائيلي متفوقا بشكل كاسح في استطلاعات الرأي، ولكن بعد سلسلة عمليات حماس، خسر اليسار وفاز اليمين بزعامة نتنياهو، الذي لم يكن له هدف سوى تقويض وتدمير ليس اتفاقيات أوسلو بل كل فرص إقامة دولة فلسطينية، وبالفعل منذ ذلك التاريخ باتت هناك سياسة منهجية لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة، ولعل تصريح نتنياهو الأخير حول رغبته باجتثاث فكرة الدولة الفلسطينية هي دليل، ولنسأل أنفسنا  كيف سيجتثها نتتياهو؟ أليس بفصل قطاع غزة عن الضفة وشرذمة الشعب الفلسطيني أكثر فأكثر.
حماس مرة أخرى تتناغم مع ما أراده اليمين الإسرائيلي، فعندما قرر شارون الانسحاب من قطاع غزة عام 2005   قال ان الهدف هو منع إقامة دولة فلسطينية من خلال فصل قطاع غزة عن الضفة، وكلنا كنا نعلم ونتابع كيف كانت حماس تعد نفسها للسيطرة على قطاع غزة حتى قبل انتخابات عام  2006، وأذكر هنا في أحد اللقاءات التي جرت نهاية خريف عام 2005  وشاركت بها مع رئيس المجلس التشريعي آنذاك الأخ روحي فتوح، بصفتي مسؤولا للإعلام. سأله أحد سفراء دول شرق أوروبا:  ألا تتابعون ما تقوم به حماس في قطاع غزة، شراء السيارات الدفع الرباعي، الأسلحة، بل إن معلوماتنا تقول إنهم فصلوا وخيطوا البدلات العسكرية،  وملابس تحاكي ملابس الشرطة الفلسطينية، ألا يؤشر ذلك على شيء؟ سأل السفير، وأجاب فتوح ” في فلسطين لا يمكن  أن تحدث حرب أهلية.. لا تقلق..  نحن إخوة نواجه الاحتلال والعدو المشترك معا “،  ولكن في الواقع كانت حماس تعد للانقلاب وتحقق هدف شارون بفصل قطاع غزة عن الضفة.  وفي تلك المرحلة نشر المناضل الوطني الشيوعي نعيم الأشهب كتيبا عن مشروع حماس الانقلابي وليس الديمقراطي، بمعنى أننا جميعا كنا نلمس بطريقة أو بأخرى استعدادات حماس للانقلاب.  ربما المأخذ هنا أن الأحداث تركت تجري دون أن تواجه بحزم من كافة الأطراف الوطنية. 
واليوم  فإن الحميع يعلم أن حماس قد أبرمت اتفاق هدوء استراتيجيا مع إسرائيل ضمنت من خلاله إبقاء سيطرتها في القطاع، وهي اليوم تعد لانقلاب في الضفة، وتقدم نفسها أنها هي من يستطيع إثارة المشاكل وضبطها بالكامل في آن،  كما  جرى في غزة.
علينا أن نتابع تاريخ حماس،  فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، هي تأسست عام 1988 ، قبل ذلك كانت جماعة الإخوان في الأرض الفلسطينية المحتلة ترفض رفضا قاطعا المشاركة مع باقي فصائل العمل الوطني في أي عمل مقاوم للاحتلال الإسرائيلي، ولكن عندما اندلعت الانتفاضة الأولى، في أشهرها الأولى أعلنت جماعة الإخوان عن تأسيس حركة المقاومة الإسلامية” حماس “، ومنذ ذلك التاريخ طرحت نفسها بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية،  ومنذ ذلك التاريخ أيضا جرى عمليا شق الساحة الفلسطينية.
بعد ذلك ولمن كان يراقب توقيت عمليات حماس، كانت تقوم بعملية عشية كل مرحلة انسحاب إسرائيلي من جزء من الأرض الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو، وبالطبع إسرائيل كانت تتخذ منها مبررا وذريعة لعدم الانسحاب، كان التقاطع واضحا بين حماس ومن يقف خلفها وبين اليمين الإسرائيلي. هذا التقاطع لا يزال ساريا، فعملية تل أبيب الأخيرة، على سبيل المثال، والتي قالت حماس إنها جاءت ردا على ما يجري في جنين ليبدو الوضع طبيعيا، ألم تخدم هذه العملية نتنياهو وحكومته الفاشية؟  بهدف إخافة ليبراليي تل أبيب المنتفضين ضده وضد حكومته، ألم يأت بن غفير إلى موقع العملية ليدعو كل فرد إسرائيلي لحمل السلاح، وكأنه يقول لليبراليي تل أبيب احموا أنفسكم من ” الإرهاب الفلسطيني ” وتضامنوا مع الحكومة بدل أن تتظاهروا ضدها.
في الواقع لدى حماس إصبع مسموم في المقاومة وتسعة أصابع لزرع الفتنة داخل الشعب الفلسطيني، كل ذلك لا لتكون هي المقبولة من الصهيونية العالمية ومن الولايات المتحدة، بل ليكون التنظيم الدولي للجماعة مقبولا وتسليمه دفة الحكم في الدول العربية، فحماس في كل ذلك هي الطعم، وعلى الشعب الفلسطيني ألا ينخدع بمقاومتها ويأكل الطعم هو أيضا، وعندما تعهد لحماس مهمة ضبط الشعب الفلسطيني ستقوم بهذه المهمة بالحديد والنار.. وفي كل ذلك سوف تتجند الجزيرة وغيرها في خدمة المشروع،  ما دام كل المشروع يجري بالاتفاق مع الصهيونية العالمية ورعاتها الكبار ولخدمة مصالحهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى