دراسات و وثائق

“ميلاد” تحت الأنقاض..

خيّم الحزن على مدينة بيت لحم في مولد السيد المسيح، فغابت عنها كل مظاهر الفرح والبهجة، وتخلت المدينة عن حلّتها البهية، لترسل رسالة التضامن الحقيقي مع شقيقاتها بقطاع غزة التي تتعرض للعدوان منذ السابع من اكتوبرالماضي.

على غير عادتها، خلت ساحة المهد التي تشهد في أعياد الميلاد ذروة الاحتفالات  باستقبال مواكب البطاركة، ومجموعات السياح الأجانب والزوار من محافظات الوطن.. من معزوفات الفرق  الكشفية..  وضحكات للاطفال تملأ الأجواء.. فنادق  مغلقة، ومحلات لبيع التحف الشرقية لا يرتادها أحد.

“منذ بدء العدوان على غزة لم يأت علينا اي سائح أو حاج، نأتي للمحل لننفض الغبارعن البضائع أملاً ببعض المتسوقين” قال صاحب محل لبيع التحف، افرايم شاهين (62 عاما).

قبالة كنيسة المهد حيث ولد الطفل يسوع، استبدلت المغارة والشجرة الضخمتان بعمل فني يذكّر بالكارثة في قطاع غزة المحاصر: مغارة “الميلاد تحت الأنقاض”، وسط ركام خلف أسلاك شائكة.

على جدار بناء قريب، لافتة كتب عليها “أوقفوا الإبادة الجماعية. أوقفوا التهجير القسري. ارفعوا الحصار”، وأخرى كتب عليها “أجراس الميلاد في بيت لحم تدعو لوقف إطلاق النار في غزة”.

هكذا، حضرت “مغارة الميلاد” في ساحة المهد، من عمل الفنان طارق سلسع.. “مغارة” ظهرت مدّمرة بفعل القصف، بينَ جدرانِها تحتضن العائلة المقدسة من خلال شكلها الذي يماثلُ خارطة غزة، والأطفال الذين ارتقوا شهداء كالملائكة تنظر من السماء.. ضوء المغارةِ خافت جداً بسبب القصف والموت، وفي الوسط تحتضن مريم العذراء الطفل يسوع، مُعلَنةً الحياة الجديدة للبشريةِ جمعاء. مغارة  تحت الركام ووسط الأنقاض، في إشارة لصورة واقع قطاع غزة تحت القصف والقتل.

قرب مركز السلام الذي يقع في المنطقة التي يتوسطها جامع عمر بن الخطاب  وكنيسة المهد، اتخذت عائلة  مرزوقة  مكانا تحتمي به من الأمطار الغزيرة تنتظر وصول موكب البطريارك، غير أن البسمة والضحكة اختفت عن محيا أطفال العائلة الذين نظروا الى مجسمات تحمل الأكفان وأخرى لأقرانهم الشهداء.

تقول غادة مرزوقة، “جئنا اليوم رغم الألم والغصة في قلوبنا مما يجري من عدوان على أهلنا في قطاع غزة، لنرسل رساله للعالم اننا شعب متسلح برسالة المسيح، وهي السلام والمحبة والأمن والأمان، ولكن أين هذا من مدينة السلام مهد اليسوع”.

وأضافت “لا أخفي حقيقة اننا حاولنا ولو بالشيء القليل أن ندخل البهجة الى قلوب  أطفالنا وعدم ترك فرصة لفظائع المحتل أن تتسلل الى داخلهم والنيل منهم، لأن مشاهد وصور قتل الأطفال في غزة أثرت كثيرا على نفسياتهم .

وتابعت ” لم نزيّن المنزل في هذا العيد، وغابت شجرة الميلاد، واقتصر العيد على الشعائر الدينية”.

ولا يرغب المسيحيون الفلسطينيون بالاحتفال بينما ألغت بلدية بيت لحم الاحتفالات بالعيد بفعل العدوان المتواصل على قطاع غزة.

وتقول نيكول نجار (18 عاما) في ساحة المهد التي بدت فارغة إلى حد كبير “كثيرون يموتون من أجل هذه الأرض. من الصعب جدا الاحتفال بشيء ما بينما يموت شعبنا”.

وتقول ميرفت مُرّة (50 عاما)، وهي مصممة أزياء من بيت لحم، “هذا العام مختلف عن كل السنين. هناك حزن وأسى ودمار”.

وتضيف “لا يوجد عيد ميلاد. عيد الميلاد داخل القلب وليس بالشجرة ولا غيره”.

وشهدت ساحة المهد فعالية رفع خلالها العشرات من المواطنين علم فلسطين، كما أرسل أطفال بيت لحم رسالة لأقرانهم في غزة وأرجاء الأرض بلغات مختلفة تدعو العالم ان يقف أمام مسؤولياته بوقف العدوان على قطاع وحق أطفال فلسطين في العيش بحرية وكرامة وأمن وسلام، كبقية أطفال العالم.

وقال رئيس الكنيسة الانجيلية اللوثرية في بيت لحم وبيت ساحور، القس منذر اسحق، يصعب علينا وعائلاتنا وأحبتنا الاحتفال هذا العام، وأهلنا في غزة يتعرضون لإبادة وتطهير عرقي، وإنّ ما يحدث في غزة حرب إبادة على الشعب الفلسطيني، سنستمر بالصلاة ولن نتوقف بالابتهال والدعاء بأن ينجو أهلنا في القطاع من شر وسوء العدوان عليهم، ولنؤكد أننا موجودون هنا وهذا وطننا الذي ليس لنا وطن سواه.

وأضاف، لو ولد المسيح اليوم، سيولد تحت الانقاض وسيتعاطف مع أطفال غزة وفلسطين الذين يتعرضون لأبشع طرق القتل والتدمير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى