دراسات و وثائق

أهالي قطاع غزة.. نكبات دائمة ونزوح متكرر

بين خيام النازحين بأحد مخيمات النزوح في خان يونس جنوب قطاع غزة، يجلس مسنٌّ فلسطيني على كرسيه المتحرك يتذوق طعم الألم في لقمة عيش مما تَيسّر له لسد رمقه.

يجلس المسن الذي جاوز ال100 عام من عمره، ينظر إلى الأرض من تحته سائلاً نفسه، إن كانت الحياة هي أن تهجر مرتين أو أكثر، فهو المهجَّر من أرضه المحتلة عام 1948، وها هو اليوم يواكب تجربته الثانية بالتهجير القسري من بيته إلى جنوب قطاع غزة.

يفكر ذاك المسن إن كان في العمر بقية لهجرة ثالثة، كما هو حال الكثيرين من أبناء شعبنا خلال العدوان المستمر على شعبنا في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، والذين أُجبروا على النزوح أكثر من مرة بحثاً عن الأمان أو لربما وهم الأمان في أرض الخطر وحرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال ضد أبناء شعبنا في قطاع غزة.

ذلك المشهد ليس الوحيد، فبين خيمة وخيمة بمخيمات النزوح ترى كبار السن يتأملون حالهم الذي يعيد إلى أذهانهم نكبتهم الأولى، ينظرون حولهم ليروا أنهم لم يكونوا نهاية تلك القصة، فها هم أبناؤهم وأحفادهم يتذوقون حسرتهم الأولى بعد أن عاد مرُّ طعمها إليهم.

وقطاع غزة الذي تبلغ مساحته 365 كيلو مترا مربعا، يعيش فيه حوالي 2.3 مليون نسمة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني مع نهاية عام 2023، منهم أكثر من 1.4 مليون لاجئ مسجل لدى “الأونروا” بحسب تقاريرها، أي ما يتجاوز ال60% من المجموع الكلي لسكان القطاع.

مسنة أخرى تجلس بين خيام النزوح في رفح تصف معاناتها بألم يعتصره الغضب خلال نزوحها من بيتها في الشمال، مؤكدة أن ما تعيشه اليوم أكبر نكبة وأصعب مما عايشته في النكبة الأولى رغم صعوبتها، وتقول بصرخة مملوءة بدموع تسللت من عينيها “قتلتونا”.

بين زخات من الرصاص والقصف الصاروخي والمدفعي تستمر قوات الاحتلال في دفع المواطنين للنزوح من أماكن سكنهم في شمال القطاع ووسطه، وحتى أنها تلاحق بدباباتها النازحين في خان يونس جنوباً، وتطلق وابلاً من الرصاص تجاه خيامهم لإجبارهم على النزوح مرة أخرى في ظروف جوية باردة ماطرة فاقمت معاناتهم، ودفعهتم إلى أقصى الجنوب في رفح، حتى وصلت خيام النازحين وتكدست على طول الحدود الفلسطينية المصرية.

وتعد معاناة النزوح وتكراره لمرات عديدة خلال عدوان الاحتلال على قطاع غزة كارثة إنسانية، خاصة في ظل الحصار المتواصل ومنع إدخال المساعدات الإنسانية حيث تتفاقم معاناتهم أكثر عندما لا يجدون مياهاً صالحة للشرب أو حتى أدنى ما يأكلون”.

وأظهرت فيديوهات من غزة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مواطنين اضطروا لطحن أعلاف الحيوانات وخبزها ليأكلوا منها ويطعموا أطفالهم الجياع، ما أوصل الحال بمواطن يحمل كيسا من الطحين يكبّر بعيون ملؤها الدموع فرحاً بما حصل عليه من إنجاز لم يحصل عليه كثيرون من سكان قطاع غزة، ما يصاعد خطر المجاعة على أبناء شعبنا بحسب تقارير أخرى.

وتشير التقديرات إلى أن 85% من مواطني قطاع غزة (حوالي 1.93 مليون مدني) مهجرون قسرا، بمن في ذلك العديد ممن نزحوا عدة مرات، حيث تضطر العائلات إلى التنقل بشكل متكرر بحثًا عن الأمان، وقد تم تسجيل ما يقرب من 1.4 مليون نازح داخلي في 155 منشأة تابعة للأونروا في مختلف أنحاء غزة، منهم حوالي مليون مسجل في 94 ملجأ للأونروا في الجنوب.

وفي حصيلة غير نهائية، ارتفع عدد الشهداء والجرحى منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي إلى 26257 شهيدا، و64797 جريحا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى