العرب هم العرب
بقلم: عمر حلمي الغول
صدق الإعلاميون الإسرائيليون في تقاريرهم ورسائلهم، التي بثوها من مونديال كأس العالم في الدوحة القطرية، بتأكيدهم “أن العرب هم العرب”، هم الرافضون لخيار الاستسلام والهزيمة، والمتمسكون بفلسطين وعروبتها، باعتبارها قضية العرب المركزية، ومصدر إلهامهم في الدفاع عن قضايا الأمة كلها من المحيط إلى الخليج، وعدم قبولهم بنظرية الأمر الواقع، والإقرار بوجود دولة الاستعمار الإسرائيلية على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني، شعبهم الشقيق، الذي كابد ويكابد ويلات وجرائم حرب الفاشية/ النازية الصهيونية طيلة عقود القرن الماضي.
ومع ذلك، وقبل الاسترسال بشأن الروابط التاريخية والقيمية والأخوية بين أبناء شعوب الوطن العربي، هل سأل الإسرائيليون أنفسهم، لماذا ترفض الجماهير العربية الحديث معهم؟ ولماذا ترسخت لديهم القناعة أن الدولة الإسرائيلية لا تؤمن بالسلام، رغم أن الدول العربية قدمت لهم مبادرة هامة في قمة بيروت 2002، ومع ذلك رفضوها؟ ثم كيف لعربي أو مواطن بغض النظر عن إثنيته وديانته يعيش بين ظهراني العرب، التعامل مع ممثلي إسرائيل الصهاينة ودولتهم تمارس وترتكب كل صباح عمليات القتل والاعتقال والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية وتفرض الحصار على قطاع غزة، وتلاحق المواطنين الأبرياء، وتقطع الأشجار والمحاصيل الزراعية، وتهدم البيوت، وتصادر الأرض وتقيم الوحدات الاستيطانية عليها، وترتكب كل الموبقات والعمليات الإرهابية ضد أبناء جلدتهم الأبرياء، رغم أنهم بنوا آمالا كبيرة على خيار السلام. ولكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أدارت الظهر لكل خطوة إيجابية فلسطينية.
يبدو أن الإسرائيليين تمسحوا، ولم يعودوا يريدون شيئا، سوى الطاعة العمياء من قبل العرب عموما، والفلسطينيين خصوصا، وتناسوا كليا دورة الصراع التاريخي، ولم تنحنِ هامة الفلسطيني ولا الشعوب العربية، ولم يميزوا بين الشعوب والمؤسسات الرسمية، وأعماهم الدعم الأميركي والغربي الرأسمالي عن رؤية الحقائق على الأرض.
بالمحصلة هذه هي الجماهير العربية الصادقة والوفية لتاريخها، وتاريخ أمتها صاحبة الحضارة العربية الإسلامية العريقة، التي غرفت منها شعوب وثقافات الأرض عموما، والشعوب الأوروبية خصوصا، الجماهير المؤمنة بمصيرها وتطورها المشترك، التي عاش في كنفها أتباع الديانة اليهودية بسلام، لم يشهدوه لا في أوروبا ولا في أي دولة من دول العالم.
وعليه أخطأ كل من خلط بين الجماهير العربية وبنائها الفوقي، لا بل ارتكب خطيئة كبرى كل من تجاهل أو تناسى,أن الشعوب في الوطن العربي الكبير عرب وهم الأكثرية, وغيرهم من الإثنيات التي تعيش بين ظهرانيهم تقف على قلب رأي واحد، وخيار واحد، عنوانه الأساس وحدة الحال والمصير، والتمسك بفلسطين الأرض والشعب والقضية، وعدم التفريط بأي من حقوقهم القومية والإنسانية في أرض الرباط وكل أرض من أرض العرب التاريخية على مساحة الأربعة عشر مليون كيلو متر مربع.
نعم كان المونديال الكروي العالمي في قطر الشقيقة بمثابة جرس إنذار جديد للإسرائيليين والأميركيين وكل الغرب الرأسمالي وأتباعهم، عندما سمعوا الحقيقة الناصعة البيضاء من أفواه وأصوات الشعوب المنغرسة في أرض العرب، وحتى الشعوب الصديقة والمؤازرة رددت بذات الصوت، أن فلسطين، هي جزء لا يتجزأ من العالم العربي الكبير، ولا يعترفون بغير الشعب الفلسطيني في وطنهم الأم فلسطين. ولا خيار أمام الصهاينة وحلفائهم في البيت الأبيض ومراكز القرار في أوروبا إلا الإقرار بالحقيقة الماثلة أمامهم، والتي وضعتهم مباشرة أمام قوة الإيمان الراسخ لتلك الجماهير الرائعة والأبية، بأن قضية السلام تبدأ من فلسطين، ولا تنتهي إلا بانتصار الأشقاء في بيت المقدس، وتحقيق أهدافهم غير منقوصة.
جماهير الأمة، كما كانت دائما، هي اليوم تعلن بصوت عال في وجه الإعلاميين والسياسيين والعسكريين الاستعماريين الإسرائيليين، أنها لا تعترف بغير فلسطين وطنا لشعبها العربي الأصيل، صاحب التاريخ والهوية الوطنية والقومية، وهي الحاضنة الاستراتيجية لحقوقه ومصالحه العليا المرتبطة بمصالح الأمة العربية كلها من شمالها لجنوبها، ومن شرقها لغربها، ومن محيطها إلى أطلسها. تلك الجماهير التي أيقظتهم من سبات نومهم على وسائد العار الاستسلامية، وأبلغتهم الرسالة الأهم، أن كل أوراق الاستسلام لا تساوي صوتا من أصوات العرب، وحبرها زائل، بغض النظر عن الزمن الافتراضي الذي يمكن أن تعيشه الدولة الإسرائيلية . ولا خيار أمام قادة إسرائيل سوى الإذعان لإرادة وأصوات تلك الملايين من العرب وأشقائهم مواطني دولهم، وأصوات الشعوب والنخب المؤمنة بالسلام والعدالة السياسية والقانونية والاجتماعية.
ولم يكن احتجاج ممثلي وزارة الخارجية الإسرائيلية الموجه للدولة القطرية والفيفا ضد تأييد جماهير المونديال العالمي لفلسطين وشعبها، الذي نقلته القناة الـ13 الإسرائيلية يوم الأحد الموافق 27 نوفمبر الماضي إلا صراخا في واد سحيق، لم يسمعه، ولم يعره بالا أحد. لأن صوت الشعوب أعلى من كل الأصوات الرسمية، كما أنها لم تأخذ إذنا من حكامها لتعبر عن رفضها لإسرائيل المارقة والخارجة على القانون، وعبرت عن مشاعرها بعفوية مطلقة، عكست رؤيتها وقرارها تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون رتوش أو غموض أو التباس. قالت كلمتها بوضوح شديد، وبصراحة وشفافية عالية منسجمة مع نفسها وتاريخها ومصيرها.
كانت فلسطين وشعبها أيقونة العرب، وستبقى فلسطين وحريتها واستقلالها بعد طرد الغزاة الصهاينة منها عنوانا أساسيا من أولويات شعوب الأمة وأنصار السلام في العالم. وعلى الإسرائيليين أن يدركوا رسائل الأولمبياد جيدا، ويضعونها أمامهم لعلهم يستخلصون الدروس منها، فلا فاشيتهم/ نازيتهم تفيدهم، ولا أكاذيبهم وأسلحة الدمار الشامل والقنابل الذرية تنفعهم، ولا أميركا ومن معها يستطيعون تغيير وعي الشعوب العربية والمؤمنة بالعدالة والحرية والسلام، وفلسطين كما كانت تاريخيا أرض الشعب الفلسطيني ستبقى أرضه ووطنه، الذي لا وطن له غيرها.